فلمّا صلّى الإشراق جاء إلى بيته، واضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، وقال أخبروا مَنْ في البلد من الذين قرأوا عليّ القرآن، فأخبروهم، فحضر الكلّ. فقال المولى: لي عليكم حقّ، واليوم يوم قضائه، فاقرءوا على القرآن العظيم إلى وقت العصر، فأخبر الوزراء بذلك، فجاؤوا إليه لعيادته، فبكى الوزير داود باشا لما بينهما من المحبة الزائدة، فقال المولى: لماذا تبكى يا داود! قال فهمت فيكم ضعفا، فقال: أبك على نفسك يا داود! فإني عشت في الدنيا بسلامة، واختم إن شاء الله تعالى بسلامة، ثم قال للوزراء: سلّموا منا على بايزيد، يريد السلطان بايزيد خان، أوصيه أن يحضر صلاتي بنفسه، وأن يقضى ديوني من بيت المال قبل دفني، ثم قال: أوصيكم إذا وضعتموني عند القبر أن تأخذوا برجلي، وتسحبوني إلى شفير القبر، ثم تضعوني فيه، ثم إن المولى صلّى صلاة الظهر مومئا، ثم أخذ يسأل عن أذان العصر، فلمّا قرب وقته أخذ يستمع صوت المؤذّن، فلمّا قال المؤذّن: الله أكبر، قال المولى: لا إله إلا الله، فخرج روحه في تلك الساعة، - روّح الله تعالى روحه ونوّر ضريحه - ثم إن السلطان بايزيد خان حضر صلاته، وقضى ديونه بلا شهود، فكانتْ ثمانين ألفا ومائة ألف درهم، ثم إنهم لما وضعوه عند قبره لم يتجاسر أحد على أن يأخذ برجله، فوضعوه على حصير، وجذبوا الحصير إلى شفير القبر، ثم أنزلوه فيه، وسلّموه إلى رحمة الله تعالى ورضوانه، وامتلأت المدينة ذلك اليوم من الضجيج والبكاء من الصغار والكبار، حتى النساء والصبيان، وكانت جنازته مشهورة، وانثلمت بموته ثلمة من الإسلام.