ومات سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان قد انحنى من الكبر، وإذا مرض يقول: أخبرني رسول الله - صلى اللّه عليه وسلم - في المنام، أني أعمّر، فكان كذلك، فإنه أكمل التسعين، وزاد.
وكان سمع الحديث من الفخر ابن البخاري، وكان يحفظ في كلّ يوم من أيام الدروس ثلاثمائة سطر.
وقال الشهاب ابن فضل الله: كان كبير المروءة، حسن المعاشرة، سخيّ النفس، فوق السبعين سنة، يدرّس بـ "دمشق"، وغالب رؤساء مذهبه من الحكّام، والمدرّسين، كانوا طلبة عنده، وقلّ منهم مَنْ أفتى، ودرّس، بغير خطّه.
وقال ابن حبيب في حقّه: إمام مذهبه، عارف بنقد فضّته وذهبه، حسن التلطّف، كثير التعفّف، ذو نفس زكيّة، وسيرة مرضيّة، وأخلاق كريمة، ومناقب وجوهها وسيمة، معروف بالمكارم، موصوف بالهمّ والعزائم.
باشر بـ "دمشق" تدريس عدّة مدارس، وزين بنجوم علومه مذ ولي القضاء بها آفاق المجالس، واستمرّ معدودًا من الأكابر والأعيان، إلى أن فرق الموت بينه وبين الأهل والأوطان. انتهى.
وذكر صاحب "آكام المرجان"، عن الشهاب ابن فضل الله العمري، عنه، حكاية غريبة، لا بأس بذكرها هنا، قال: سفرني أبى إلى الشرق لإحضار أهله إلى "الشام"، فألجأنا المطر، حتى نمنا في مغارة، فبينما أنا نائم إذا شيءٌ يوقظني، فانتبهتُ فإذا امرة، لها عين واحدة مشقوقة، فارتعتُ، فقالتْ: لا تخفْ، إني رغبت أن أزوّجك ابنة لي كالقمر.