وأما ميلاد أبي يوسف فقد رووا عن الطحاوي أنه (١) سنة ١١٣ هـ، وعليه جرى الأكثرون، لكن ذكر المؤرّخ الفقيه أبو القاسم علي بن محمد السمناني المتوفى سنة ٤٩٩ هـ في "روضة القضاة"، -وهي كتاب مفيد في القضاء-.
"توفي أبو يوسف وله تسع وثمانون سنة على خلاف في ذلك"، ومثله في "مسالك الأبصار" لابن فضل الله العمري، وإليه يجنح صاحب "أخبار الأول"، ومؤلّف "روضات الجنات" تقريبا، فيكون ميلاده سنة ٩٣ هـ. بالنظر إلى أن وفاته سنة ١٨٢ هـ في التحقيق، وبين التاريخين تفاوت عظيم كما نرى، ولا يبعد أن يكون ما في غالب الكتب مصلحا ظنا، حيث كان ميلاده مكتوبا في بعض النسخ القديمة، هكذا "٩٣" بالرقم، فغير رقم "٩" إلى "١" لعدم بروز رأس "٩" أو انطماسه، فشابه، فقرأ القارئ أن ميلاده سنة "١٣"، ولظهور أن ميلاده لا يكون بهذا القدم عد هذا بعد المائة الأولى، وإنما حذفت المائة اختصارا، كما هو المعتاد في المئات عند الأمن من الخطأ، فجرى ذكر رقم "١١٣" كميلاد له، فتناقله المؤرّخون كميلاد حقيقي له، ومن الدليل على وجاهة هذه الملاحظة ما ذكره الحافظ أبو عبد الله محمد بن مخلد العطّار المتوفى سنة ٣٣١ هـ في "جزئه" المشهور الذي سماه "ما وراه الأكابر عن مالك": نا محمد بن هارون، ثنا أبو موسى الأنصاري، قال: قال لي أبو يوسف القاضي: إن طال بالناس الزمن رجعو إلى فتى من أهل "المدينة"، يعني مالكا، وهو في ضمن المجموعة رقم ٩٨ في ظاهرية "دمشق"، وعليه سماعات كثير من الحفاظ، ولو لم يكن أبو يوسف أكبر سنّا من مالك أو من أقرانه لما صحَّ أن يقول عنه مثل هذا القول، وكذلك نجد أبا يوسف يعامل مالكا معاملة الأقران
(١) والطحاوي تابع رواية سليمان ابن شيخ عند ابن أبي خيثمة، ونرجح رواية ابن معين عليها لما سبق (ز).