والآثار الواردة في كتب السنة في سعة علمه وجليل مناقبه في غاية الكثرة، ومثل هذا الصحابي الجليل تولى تفقيه أهل "الكوفة" بجدّ وعناية منذ بعثه عمر إلى أواخر خلافة عثمان رضى الله عنه، وتخرّج عليه عدد عظيم جدا من القراء والفقهاء في "الكوفة"، حتى إن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أعجب غاية الإعجاب بكثرة فقهائها، فقال لابن مسعود: ملأت هذه القرية علما وفقها، بل بلغ تلاميذه وتلاميذ تلاميذه أربعة آلاف شخص، هم سرج تلك القرية، وبعد انتقال علي كرّم الله وجهه، وأقوياء الصحابة رضى الله عنهم إلى "الكوفة" ازداد الاهتمام بتفقيه أهلها إلى أن أصبحت "الكوفة" لا مثيل لها في أمصار المسلمين في كثرة فقهائها ومحدّثيها والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها من حيث سكنى فصح القبائل العربية حولها، وكثرة من نزل بها من كبار الصحابة رضي الله عنهم، فكبار أصحاب علي وابن مسعود رضي الله عنهما بها لو دوّنت تراجمهم في كتاب خاص لأتى كتابا ضخما، وأبلغ العجلى عدد الصحابة الذين سكنوا "الكوفة" فقط إلى ألف وخمسمائة صحابي، فضلا عن باقي بلدان "العراق"، قال مسروق بن الأجدع التابعي الكبير: وجدت علم أصحاب محمد ينتهي إلى ستة: إلى علي، وعبد الله، وعمر، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي بن كعب، ثم وجدت علم هؤلاء الستّ انتهى إلى علي، وعبد الله.
وقال ابن جرير: لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرّروا فتياه ومذاهبه في الفقه، غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه، وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه، ويرجع من قوله إلى قوله، وكان بين فقهاء الصحابة من يوصي أصحابه بالالتحاق إلى ابن مسعود، إقرارا منهم بواسع علمه، كما فعل معاذ بن جبل رضي الله عنه، حيث