أوصى صاحبه عمرو بن ميمون الأودي باللحاق بابن مسعود بـ "الكوفة"، وقد روى الرامَهرمزي عن أنس بن سيرين أنه قال: أتيت "الكوفة" فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث وأربعمائة قد فقهوا، وفي أيّ مصر من أمصار المسلمين غير "الكوفة" تجد مثل هذ العدد العظيم للمحدّثين والفقهاء، وفي هذا ما يدلّ على أن الفقيه مهمّته شاقّة جدا، فلا يكثر عدده كثرة عدد النقلة.
وروى أيضا عن عفَّان أنه قال: قدمنا "الكوفة"، فأقمنا أربعة أشهر، ولو أردنا أن نكتب مائة ألف حديث لكتبناها، فما كتبنا إلا قدر خمسين ألف حديث، وما رضينا من أحد إلا ما لأمه إلا شريكا، فإنه أبى علينا، وما رأينا بـ "الكوفة" لحّانا مجوّزا، أي متساهلا، ويقول البخاري: لا أحصى ما دخلت "الكوفة" حينما يذكر سائر الأمصار بعدد دخوله فيها، وأئمة القراءة والعربية فيها في غاية الكثرة أيضا، وبهذا يعلم مبلغ أهمية "الكوفة" في الحديث والفقه والقراءة والعربية ووجه توارث علومه جماعة عن جماعة إلى أقدم نبع فيّاض، وفي هذه البيئة كان المجمع الفقهي الذي يتكوّن من أربعين عالما، برأسهم أبو حنيفة في تحقيق المسائل وتدوينها بعد تمحيصها بالدلائل، وكان هذا ما امتازت به "الكوفة".
قال ابن أبي العوام، حدّثني الطحاوي كتب إلى ابن أبي ثور، قال: أخبرني نوح أبو سفيان قال لي المغيرة بن حمزة: كان أصحاب أبي حينفة الذين دوّنوا معه الكتب أربعين رجلا كبراء الكبراء، وقال أيضا: حدثني الطحاوي كتب إلى محمد بن عبد الله بن أبي ثور الرعيني، حدثني سلميان بن عمران، حدّثني أسد بن الفرات قال: كان أصحاب أبي حنيفة الذين دوّنوا الكتب أربعين رجلا، فكان في العشرة المتقدّمين أبو يوسف، وزفر بن الهذيل، وداود