وجه نال ذلك منك، قال: عن معرفة مني به فعلت ذلك، وعن تجربة، والله ما امتحنته في باب من أبواب العلم إلا وجدته كاملا فيه، لقد كان يختلف معنا في الحديث، فكنا نكتب، ولا يكتب، فإذا قمنا من المجلس انضمّ إليه أصحاب الحديث، فصحّحوا كتبهم عن حفظه، ولقد بلغ في الفقه غاية لم يبلغها أحد من أهل طبقته، فصغير عنده أجلّ الناس، ونازل عنده أفقه الناس، يقعد للناس، وليس معه كتاب، ولا شيء درسه بالليل مع شغله في أعمالنا، فيقول: ما تريدون، فيقولون: في باب كذا وكذا، فيندفع فيه، فيجيئ في بديهته بشيء يعجز عنه علماء زمانه، ومع ذلك عنده استقامة في المذهب، وصيانة في الدين، هاتوا لي مثله، فليعتبر بهذا الوصف لأبي يوسف من الرشيد أمير المؤمنين، فقد جمع وأوعى.
وقال داود بن رشيد: ولو لم يكن لأبي حنيفة تلميذ إلا أبو يوسف لكان له فخرا على جميع الناس، كنت إذا رأيت أبا يوسف يتكلم في باب من أبواب العلم، كأنما كان يغرفه من بحر الحديث في وجهه، والفقه في وجهه، والكلام في وجهه، كان لا يتعذّر عليه شيء من ذلك.
وقال هلال بن يحيى البصري المعروف بهلال الرأي: كان أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب، وكان أحد (١) علومه الفقه. اهـ. يعني وفقهه، كما يعلمه الحاضر والبادي.
وقال يحيى بن خالد في رواية الذهبي: قدم علينا أبو يوسف، وأقلّ ما فيه الفقه، وقد ملأ فقهه ما بين الخافقين، وقال يحيى بن معين: ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصحّ رواية من أبي يوسف،
(١) هكذا في جزء الذهبي، ووقع في بعض الكتب (أقل علومه)، ولعله تحريف أو مبالغة (ز).