الممحَّصة إلى وفاة أبي حنيفة تسعا وعشرين سنة، مع بعض فترات يسيرة انقطع فيها عن مجلس أبي حنيفة، ولازمه سبع عشرة سنة بلا انقطاع أصلا، فمثل أبي يوسف في ذكائه المفرط وحافظته الخارقة للعادة وإقباله الكلّي على العلم إذا لازم ذلك المجلس بتلك المواهب وبتلك المثابرة لا بدّ من أن تثمر مواهبه، ويعلو شأنه في الاجتهاد، ويحوز مرتبة الاجتهاد المطلق إن حافظ على انتسابه لأبي حينفة، عرفانا لجميل أستاذه عليه في تكوينه العلمي.
وقد شهد له أبو حنيفة أنه أعلم أهل الأرض في طبقته، كما روى الطحاوي بسنده عن أسد بن الفرات على ما في "تاريخ الخطيب"، وشهد له الحافظ الفقيه علي بن الجعد صاحب "الجعديات" المشهور بأنه ما رأى مثله، وقال ابن أبي عمران شيخ الطحاوي، وقد رأى على بن الجعد الثوري، والحسن بن صالح، ومالكا، وابن أبي ذئب، والليث بن سعد، وشعبة بن الحجّاج. اهـ. كما أسنده الصيمري فيكون بهذا الكلام فضله عليهم.
وقول الأعمش له: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة عند جوابه استنباطا من حديث بريرة الذي كان حدّثه به، وقوله له أيضا: إني رويت هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك، ولم أعرف تأويله إلا الساعة شهادة له بدقّة الاستنباط أيضا، بل قال طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد: هو أفقه أهل عصره، ولم يتقدم عليه أحد في زمانه، وقال يحيى بن خالد: قدم علينا أبو يوسف، وأقلّ ما فيه الفقه، وقد ملأ بفقهه ما بين الخافقين، وقال عبد الله بن داود الخريبي الحافظ: كان أبو يوسف قد اطلع على الفقه اطلاعا، يتناوله كيف يشاء، كما أخرجه ابن أبي العوام بسنده إليه، وكان يشهد له أبو حنيفة بالغلبة في مناظراته مع زفر بن الهذيل المعروف ببالغ الذكاء، وقوة الحجّاج، كما ورد بطرق عنه وقوة