صحيحا، لأن أئمة الدين يجب أن يكونوا أنزه لسانا وجنانا من أن ينزلوا إلى هذه الدركة، على أن البشر لا يخلو من انفعال نفساني تبدر منه بسببه بادرة، وفلتة يتوب منها بعد لحظة، والله أعلم.
وقد ذكر الموفّق المكي بطريق محمد بن موسى الحاسب: أنبأنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: كان أبو يوسف يقول: اختلفت إلى أبي حنيفة في التعلم منه، ولكن كان لا يفوتني سماع الحديث من المشايخ، فقدم محمد بن إسحاق صاحب المغازي "الكوفة"، فاجتمعنا إليه، وسألناه بأن يقرأ علينا "كتاب المغازي"، فأجابنا إلى ذلك، فتركت الاختلاف إلى أبي حنيفة، وأقمت على محمد بن إسحاق أشهر، حتى سمعت الكتاب منه، فلما فرغت رجعت إلى أبي حنيفة، فقال لي: يا يعقوب! ما هذا الجفاء، قلت: لم يكن ذاك، ولكن قدم محمد بن إسحاق المديني ههنا، فاشتغلت بسماع كتاب المغازي منه، فقال لي: يا يعقوب! إذا رجعت إليه، فسله من كان في مقدمة طالوت؟ وعلى يدي من كان راية جالوت، فقلت له: دعنا من هذا يا أبا حنيفة! فوالله ما أقبح بالرجل يدعى العلم، فيسأل أبدر كان قبل أم أحد فلا يعرفه. اهـ.
وهذا كلام لا غبار عليه، إذ لا لوم على أبي يوسف في أن ينتقي مما عند مثل محمد بن إسحاق في المغازي، ولا على أبي حنيفة في عدم اطمئنانه إلى علم محمد بن إسحاق بالمغازي، وقد تلقّى أبو حنيفة المغازي من مثل الشعبي المعترف بسعة علمه في ذلك عند مثل ابن عمر رضى الله عنهما، وإن لم يكن متفرّغا لها -، وليس في الخبر المذكور مساس بأحد الجانبين، كما لا مأخذ في سنده.