لكن ما نقله ابن خلّكان من الجليس الصالح للمعافي الجريري بإغفال السند خيانة وغش، ولو كان ذكر السند لرأي القارئ فيه كذّابا مكشوف الأمر، فينبذه نبذ كل افتعال.
نص ما في الجليس مع السند في المجلس الثالث والخمسين حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ، حدثنا محمد بن خريمة بـ "نيسابور" عن المزني، عن الشافعي، قال مضى أبو يوسف القاضي ليسمع المغازي من ابن إسحاق أو من غيره، فأخل مجلس أبي حنيفة أياما، فلمّا أتاه، قال له أبو حنيفة: يا أبا يوسف! من كان صاحب راية جالوت، قال له أبو يوسف: إنك إمام، وإن لم تمسك عن هذا سألتك، والله على رؤوس الملأ، إيما كانت أولا بدر أو أحد، فإنك لا تدري أيّهما كان قبل، فأمسك عنه (١).
مبلغ الفرق بين الروايتين ظاهر بين، هكذا يفعل أخبث الكذبة يتزيد ما يشاء في حكاية مروية.
ورواية صاحب الجليس الصالح اختلاق صرف، تكذبه شواهد الحال، لأن أبا حنيفة هو الذي يحدّث أصحابه في مسانيده عن تفضيل عمر رضي الله عنه أصحاب بدر فيما فرض لهم في الديوان على باقى أصحاب الغزوات المتأخّرة، هو الذي يتلو في ختماته ليلا ونهارا، قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}. آل عمران: الآية ١٢٣. المعروف نزوله في "أحد"، -وهذا مما يعلمه صغار أهل العلم، فضلا عن إمام الأئمة وشيخ فقهاء الأمة-، وهو الذي أملى على أصحابه كتاب "السير الصغير"، فرد عليه الأوزاعي، وانبرى
(١) نقل لي هذا النص من النسخة المحفوظة من مكتبة الحاج سليم في اسكدار بالآستانة فضيلة الأستاذ البحاثة السيد محمد حزمي، حفظه الله، وجزاه عن العلم خيرا (ز).