للدفاع عن أبي حنيفة، وأبو يوسف نفسه في كتابه المعروف، فكيف يتصوّر؟ أن يجهل أبو حنيفة في نظر أبي يوسف، (أبدر كانت قبل أحد؟)، مع أن ذلك ليس مما يجهله إلا بعض أطفال الكتاتيب، أم كيف يظنّ بأبي يوسف أن يسئ الأدب؟ مع أستاذه، الذي إجلاله له بكل وسيلة مستفيض متواتر، لما له من اليد البيضاء في تكوينه العلمي، والإنفاق علية مدّة طلبه للعلم وعرفانه الدائم لهذا الجميل العظيم طول حياته مشهور معروف.
لكن ابن خلكان يلذّه، تسجيل ما ينال من إمام الأئمة من كلّ مصدر تالف، ولا يتحاشى تدوين أسطورة الأباريق الرصاص عن حماد عجرد المكشوف الأمر، وصلاة القفّال التي لا يشكّ في اختلاقها سوى قلوب عليها أقفالها في حين أنه يتفادى نقل ما يمس إمامه نفسه، وصاحب "الجليس الصالح" هو الذي يحكي أن المأمون حمل الشافعي على شرب عشرين رطلا من النبيذ، ففعل، ولم يتغير عقله، كما في "لسان الميزان" مع أنه لم يجتمع به في عهد خلافته أصلا، وهو كذب بحت كهذه الأقصوصة، ولو ذكر ابن خلكان السند لبرئت ذمته، وعلم الجمهور افتعال الرواية بكذاب مشهور في سنده، لكنه تولى كبر الفرية، وهذا هو الخزي المبين، والمعافي الجريري ليس من رجال التحريّ في النقل، وكتابه يجمع بين الجدّ والهزل، ويحوي طرائف الحكايات والنوادر المضحكات، ولو في أكبر إمام من الأئمة الأعلام بأسخف سند شأن كتب الأدب لغير المتحرّين، وفي سند الحكاية هنا (محمد بن الحسن زياد المقرئ) هو النقّاش المشهور بالكذب صاحب "شفاء الصدور" في التفسير. راجع: ترجمته في "تاريخ الخطيب"، و"ميزان الاعتدال"، و"لسان الميزان".