يتصوّر صدقها أيضا، لتقدّم وفاة أبي يوسف على ذلك التاريخ بسنتين، ولا بعث قبل النشأة الأخرى ليتمّ هذا الاجتماع، وليمكن إبعاد أبي يوسف من المجلس سحبا بالرجل، كما يهذي به بعضه.
وهنا رحلة أخرى غريية التلفيق، وتبيين حالة الرحلتين في "بلوغ الأماني"(ص ٢٨) ومما يفضح وجوه الاختلاق فيما يرويه البلوي، كون وفاة أبي يوسف قبل ذلك التاريخ بسنتين، -كما سبق-، وعدم اجتماعهما أصلا على تعاصرهما عند النقاد، وعدم تولي محمد بن الحسن المظالم أصلا، وكونه قاضيا بـ "الرقة" إذ ذاك، وكون هو الذي أنقذ الشافعي من المحنة، وتلقّي الشافعي العلم منه بعد ذلك، بلوغ ما سمعه الشافعي منه حمل بختي (١) من الكتب، وكون الشافعي إذ ذاك في عهد الأخذ والتلقّي لا في مرتبة الإمامة والقدوة، حتى يتصوّر أن يحسده حاسد، وكون الشافعي مقرّا بفضله عليه في كلّ فرصة تأخّر ادعاء الشافعي الاجتهاد والقيام بالدعوة إلى ما بعد وفاة محمد بن الحسن بستّ سنوات عند قدومه "بغداد" ثاني مرة سنة ١٩٥ هـ، كما أوضحت ذلك كلّه في "بلوغ الأماني" و"إحقاق الحق" و"التأنيب" وغيرها، فيكون ادعا اجتماع الشافعي بأبي يوسف ومحمد بن الحسن معا في "العراق" سنة ١٨٤ هـ في مجلس الرشيد وسعيهما في قتله عند الرشيد من أسخف الكذب وأسقطه، إن أخرج الرحلة التي تنصّ على ذلك كلّه مثل الآبري وأبي نعيم الأصفهاني والبيهقي، فإذا لم يتحاش هؤلاء من تسجيل هذا الاختلاق المفضوح من كلّ ناحية لا يستغرب أن يغتر به عبد الملك بن الجويني وأبو حامد الطوسي والفخر الرازي، فيدوّنوا في صدد ترجيح مذهبهم
(١) ويتمنى بعض الناس أن لو خلت الأرض من الرواحل، لئلا يحكي أن الشافعي حمل راحلة من الكتب بسماعه لها كلّها من محمد بن الحسن (ز).