ظلت الرحلة الكاذبة حاملين بين ضلوعهم نار حقد، لا تنطفئ ضدّ أصحاب أبى حنيفة فقهاء الملة، لظنّهم أن ما في تلك الرحلة صحيح كلّه، ولو كان ذلك صحيحا كما ظنّوا لكان أصحاب أبي حنيفة من أسقط خلق الله حقّا، لكنّهم براء صدقا من تلك التهمة الشنعاء بشهادة نفس تلك الرحلة المفضوحة وبشهادة التاريخ الصحيح، وإن لم ينتبه إلى ذلك ابن الجويني والغزالي والفخر الرازي لقلة إلمامهم بالمنقول وبأحوال رجال النقل، اكتفاء منهم بالمعقول والجدل معولين على نقول هؤلاء.
قال الذهبي في "الميزان" عبد الله بن محمد البلوي عن عمارة بن زيد، قال الدارقطني: يضع الحديث، قلت (أي الذهبي): روى عنه أبو عوانة في "صحيحه" في الاستسقاء خبرا موضوعا. اهـ. وقال ابن حجر في "اللسان": وهو صاحب رحلة الشافعي طولها ونمقها، وغالب ما أورده فيها مختلق. اهـ. وفي "توالي التأنيس" وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في مناقب الشافعي بغير إسناد، معتمدا عليها، وهي مكذوبة، وغلب ما فيها موضوع، وبعضها ملفّق من روايات ملفّقة.
وقال الذهبي: أحمد بن موسى النجّار حيوان وحشي، قال: قال محمد بن سهل الأموي، حدّثنا عبد الله بن محمد البلوي، فذكر محنة مكذوبة للشافعي فضيحة لمن تدبّرها، وأقرّه ابن حجر في "اللسان"، وقال ابن كثير في "تاريخه": من زعم من الرواة أن الشافعي اجتمع بأبي يوسف كما يقوله عبد الله بن محمد البلوي الكذاب في الرحلة التي ساقها للشافعي فقد أخطأ في ذلك، وإنما ورد الشافعي "بغداد" في أول قدمة قدمها إليها سنة أربع وثمانين ومائة، وإنما اجتمع الشافعي بمحمد بن الحسن الشيباني، فأحسن إليه، وأقبل