عليه، ولم يكن بينهما شنآن، كما يذكره بعض من لا خبرة له في هذا الشأن، ويستغرب بعد هذا كلّه قول النووي في "المجموع"، وفي رحلته مصنّف مشهور مسموع، كما يستغرب قوله في "تهذيب الأسماء واللغات"، وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام، ويقول صنّف الكتب، فإنك أولى من يصنّف في هذا الزمان، بعد أن نصّ أهل الشأن على أن الشافعي لم يجتمع بأبي يوسف أصلا، ولا السخاوي في "المقاصد الحسنة"، وكذلك ما ذكر من أن الشافعي اجتمع بأبي يوسف عند الرشيد باطل، فلم يجتمع الشافعي بالرشيد، إلا بعد موت أبي يوسف، قال شيخنا: وكذا الرحلة المنسوبة للشافعي إلى الرشيد، وأن محمد بن الحسن حرّضه على قتله. اهـ. ومثله في "توالي التأنيس" فيكون هذا وذاك من هفوات النووي المعدودة، وأما ابن غانم فليس من أهل الرواية، فلا تستغرب منه كثرة الهفوات، فلا نشتغل بتفنيدها، والذي أراه أن مختلق تلك الرحلة في أول الدهر لم يكن دافعه إلى هذا الاختلاق مجرّد التحيز للإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو في رفعة شأنه وذيوع عمله في غنية عن مناصرة المختلقين الآثمة، بل قصد ذلك المختلق الإيقاع بين المسلمين في الشرق الإسلامي، الذي كان ينقسم إذ ذاك إلى طائفتين عظيمتين فقط، وهم الحنفية والشافعية، علما منه بأن دسّ الفتنة بينهما بتلك الصورة المزرية الماسّة بكرامة الأئمة، يكون حاملا للفريقين على التنابذ والتناحر، فناشر كتب الفاتنين في آخر الزمن بعد ظهور وجوه الاختلاق فيها لا يكون أقلّ تبعة من المختلق الأصلي، فوجب الدفاع عن أئمة الهدى بحجج قاصمة لظهور الفاتنين، ففعلت بتوفيقه سبحانه، وفضحت افتراءات المفترين بأدلة نيرة واضحة المعالم، تختنق بأنفاس عصبة التعصّب، وتفهمهم خطورة التحزّب وتحمّلهم على الإقلاع من الدسّ بين