وقال أبو العيناء: كان أحمد بن أبي دُواد شاعرًا مجيدًا، فصيحًا، بليغًا، ما رأيتُ رئيسًا أفصح منه، وكان في غاية التأدّب، ما خرجتُ من عنده يومًا، فقال: يا غلام، خذْ بيده. بل كان يقول: اخرجْ معه. فكنتُ أفتقد هذا الكلام، فما أخل به قطّ، وما كنتُ أسمعها من غيره.
وقال النديم في "الفهرست": كان من كبار المعتزلة، تجرّد في إظهار المذهب، وذبّ عن أهله، وبالغ في العناية به، وكان من صنائع يحيى بن أكثم، وهو الذي أوصله إلى المأمون، ثم اتصل بالمعتصم، فغلب عليه، ولم يكن يقطع أمرًا دونه، ولم ير في أبناء جنسه أكرم منه.
وقال الصولي: كان يقال: أكرم من في دولة بني العبّاس البرامكة، ثم أحمد بن أبي دُواد، لولا ما وضع به نفسه من محبة المحنة بخلق القرآن، والمبالغة في ذلك، واللجاج فيه، وحمل الخلفاء عليه، ولولا ذلك لأجمعت الألسن على الثناء عليه، ولم يُضَفْ إلى كرمه كرمُ أحد.
ويقال: إنه لم يكن له أخ من إخوانه إلا بنى له دارًا، ووقف على ولده ما يغنيهم أبدًا، ولم يكن لأخ من إخوانه ولد إلا من جارية وهبها له.
ومما يحكى من كرمه، أنه انقطع شسعه، فناوله رجل شسعًا، فوهب له خمسمائة دينار.
ويروى أن الواثق أمر بعشرة آلاف درهم، لعشرة من بني هاشم، على يد ابن أبي دُواد، فدفعها إليهم، فكلّمه نظراؤهم من بني هاشم أيضًا، ففرّق فيهم عشرة آلاف درهم مثل أولئك، من مال نفسه، على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فقال: يا أبا عبد الله، ما لنا أكثر من مالك، فلم تغرم، وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك، وأجهد في عمل غيرها لفعلتُ، فكيف أبخل بمالٍ أنت ملّكتَنيه على أهلك، الذين يكثرون الشكر، ويتصاعف فيهم الأجر.