فوالله ما جرى ذكر أبي يوسف عنده إلا أتبعه بالوقيعة فيه، فبينا أنا عنده إذ أتته امرأة تسأله أن يكتب لها شرطا، فشقّ عليه أن يردّها، وشقّ عليه أن يتشاغل عن أصحاب الحديث، وكبر الأمر في قلبه، فقلت له: يا أبا إسماعيل! مرها، فلتدفع إلى صحيفتها، حتى أكتب لها، ففعل، وأمسك عن الحديث لأفرغ من الصحيفة، فقلت: لا تحتاج إلى هذا حدّث، ففعل فلمّا فرغت منه الكتاب ناولته الصحيفة، فأخذها، وقرأها، فأعجبته، ثم قال: ممن تتعلمون هذا؟ قلت: من الذي لا يجري ذكره إلا وصلت ذلك بالوقيعة فيه، ولقد أوصاني عند فراقي إياه ألا ألزم أحدا غيرك، فقال: من هو؟ قلت: أبو يوسف، فاستحيا، ولم يكن يذكره بعد إلا بخير. اهـ. وفي ذلك عبر من ناحية إنصاف أبي يوسف في أهل الرواية، وسعة صدر ابن الجراح إزاء التطاول على شيخه إلى سنوح فرصة، يتوصّل بها إلى كفّ حماد عن عدوانه في حكمة، وسداد وانطلاق ألسنة الرواة في أصحابنا من غير مبرّر.
وأخرج أيضا عن الطحاوي، عن أبي خازم، عن الحسن بن موسى، عن بشر بن الوليد، قول أبي يوسف في محمد بن الحسن أيّ سيف هو؟ غير أن فيه صدأ يحتاج إلى جلاء، وفي الحسن بن زياد هو عندي كالصيد، لأني إذا سأله رجل أن يعطيه ما يطلق بطنه أعطاه ما يمسكه، وإذا سأله ما يمسكه أعطاه ما يطلقه، وفي بشر هو كإبرة الرفاء، طرفها دقيق ومدخلها لطيف، وهي سريعة الانكسار، وفي الحسن بن أبي مالك هو كجمل، حمل حملا ثقيلا في يوم مطير، فتذهب يده مرة هكذا، ومرة هكذا، ثم يسلم، وفي إبراهيم بن الجراح هو عندي كرجل عنده دراهم مكحلة، فكلّما مسّها نقصت. اهـ. والدراهم المكحلة هي التي يلصق بها الكحل، فيزيد منه الدرهم دانقا، أو دانقين، كما في "المغرب".