وأخرج أيضا عن الحسن بن القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا أحمد بن صالح بن مهران، حدّثني عرزم بن فروة، قال حجّ أبو يوسف القاضي، فلما صار إلى "الحجاز" أصاب الواقدي بحال ضيقة، فحمله معه إلى "بغداد"، فلما دخل على الرشيد سلّم عليه، وسلّم على يحيى بن خالد، فقال له يحيى: يا أبا يوسف! أي شئ أهديت إلينا من "مكة"، قال: أهديت إليك هدية لم يهدها أحد قبلي إلى أحد قبلك، قال: وما هي؟ قال: أهديت رجلا تسأل عما شئت، قال: فهيا بتعجيل البعثة به، قال الواقدي: فبعث بي أبو يوسف إليه، فما زال يسألني طول نهاره، فلما كان الليل أمر أن يفرش لي إلى جانب فراشه، فلمّا كان السحر دعا بدواة وقرطاس، وكتب كتابا دفعه إلى بعض خدمه، وقال: إذا صلى الشيخ صرْ معه إلى فلان، وادفع الكتاب إليه، فلمّا صلّيت قال الخادم: امض بنا، فصار بي إلى رجل أدخلني عليه، وأوصل الكتاب إليه، فقال الرجل للخادم: امض لسبيلك، وقال لي: اقعد، ثم دعا بغلمان، فأمرهم بفرش أنطاع، فجعلوا ينقلون البدر، ويضعونها على الأنطاع، فلمّا تعالى النهار قلت له: يا هذا! إن لي شغلا، فإن رأيت أن تروج أمري، فافعل، فقال لي: أنا في حاجتك، كتب إليّ الوزير أن أدفع إليك مائة ألف، فقلت: على رسلك، أعطني عشرة آلاف درهم، واحبس الباقي عندك، وانصرفت إلى أبي يوسف، فأعلمته، فقال لي أبو يوسف: لست أرضى لك بها، حتى أزداد لك. اهـ. هكذا كانت منزلة الواقدي عند أبي يوسف مدى نفاذ كلمة أبي يوسف على الوزير، ومبلغ تقدير الجميع للعلم في ذلك العهد.
وأخرج أيضا عن الطحاوي عن عبدة بن سليمان عن إبراهيم بن الجراح، قال: لما أردت الخروج إلى "البصرة" قلت لأبي يوسف: من ألزم بها؟ فقال له جماد بن زيد، وعظم من قدره، فلمّا قدمت "البصرة" لزمت حمادا،