مذهب أبي حنيفة مع هذا التخالف، بل نصّوا على أن الفتوى في المذهب على رأي أبي حنيفة مرة، وعلى رأي أحد هؤلاء من أصحابه مرة أخرى على اختلاف مداركهم، واستشكل ذلك، حتى سأل أمير "مكة" الشريف سعد بن زيد، رحمهما الله في شهر شعبان سنة ١١٠٥ هـ. قائلا: ما تقولون في مذهب أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه وصاحبيه أبي يوسف ومحمد، فإن كلّ واحد منهم مجتهد في أصول الشرع الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكلّ واحد منهم له قول مستقلّ غير قول الآخر فى المسألة الواحدة الشرعية، وكيف تسمّون هذه المذاهب الثلاثة مذهبا واحدا، وتقولون: إن الكلّ مذهب أبي حنيفة، وتقولون عن الذي يقلّد أبا يوسف في مذهبه أو محمد: إنه حنفي، وإنما الحنفي من قلّد أبا حنيفة فقط فيما ذهب إليه، وأجاب عن هذا السوال الشيخ عبد الغني النابلسي من فقهاء الحنيفة في عصره برسالة سماها "الجواب الشريف للحضرة الشريفة في أن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة" ارتاي فيها ما خلاصته أن آراءهما روايات عن أبي حنيفة، فتكون أقوالهما من أقوال أبي حنيفة، فيكون عدّها في مذهب أبي حنيفة صحيحا.
واستند في ذلك إلى أقوال مروية عن الإمامين في ذلك، وليس هذا بجيّد، وإن ارتضاه ابن عابدين، لأن ذلك تعويل على ما يقوله ابن الكمال الوزير في طبقات الفقهاء من أنهما لا يخالفان الإمام في الأصول، وهذا خلاف الواقع، بل هما يخالفانه في كثير من المسائل الأصلية والفرعية عن دليل، كما هو شأن الاجتهاد المطلق، وإنزالهما عن مرتبة المجتهد في المذهب ينافي الحقيقة، وإن حافظا على انتسابهما له رضي الله عنهم، بل إطلاق المذهب الحنيفة على مجموع آراء هؤلاء اصطلاح، ولا مشاخَّة فيه بالنظر إلى أن مذهب أبي حنيفة فقه جماعة عن جماعة، كما سبق.