لنستخرج ما عنده من العلم، فإذا جاء أوان الحكم ما يرتفع رأينا على رأي الشيخ، ومثله عن محمد بن الحسن.
وأخرج ابن أبى العوام عن إبراهيم بن أحمد بن سهل عن القاسم بن غسَّان عن أبيه عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن، قال: كان أبو حنيفة قد حمل إلى "بغداد"، فاجتمع أصحابه جميعا، وفيهم أبو يوسف، وزفر، وأسد بن عمرو، وعامة الفقهاء المتقدّمين من أصحابه، فعلموا مسألة أيّدوها بالحجاج، وتنوقوا في تقويمها، وقالوا: نسأل أبا حنيفة، أول ما يقدم، فلمّا قدم أبو حنيفة، كان أول مسألة سئل عنها تلك المسألة، فأجابهم بغير ما عندهم، فصاحوا به من نواحي الحلقة، يا أبا حنيفة! بلّدتك الغربة، فقال لهم: رفقا رفقا، ماذا تقولون؟ قالوا: ليس هكذا القول، قال بحجّة أم بغير حجّة، قالوا: بل بحجّة، قال: هاتوا، فناظرهم، فغلبهم بالحجج، حتى ردّهم إلى قوله، وأذعنوا أن الخطأ منهم، فقال لهم: أعرفتم الآن، قالوا: نعم، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب وأن هذا القول خطأ؟ قالوا: لا يكون ذاك، قد صحّ هذا القول، فناظرهم، حتى ردّهم عن هذا القول، فقالوا: يا أبا حنيفة! ظلمتنا، والصواب كان معنا، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأ، والأول خطأ، والصواب في قول ثالث، فقالوا: هذا ما لا يكون، قال: فاستمعوا، واخترع قولا ثالثا، وناظرهم عليه، حتى ردّهم إليه، فأذعنوا، وقالوا: يا أبا حنيفة! علّمنا، قال: الصواب هو القول الأول، الذي أجبتكم به لعلة كذا وكذا، وهذه المسألة لا تخرج عن هذه الثلاثة الأنحاء، ولكلّ منها وجه في الفقه ومذهب، وهذا الصواب، فخذوه، وارفضوا ما سواه. اهـ. وهكذا كان تدريبه لأصحابه على الفقه، وتمرينه على مدراج التفقّه، فمثله يكون كثير الذكر للاحتمالات في المسائل، وقد يترجّح عند هذا ما لا يترجّح