وهنا انتهى ببعض تصرّف ما وعدت بنقله من "ناظورة الحق في فرضية العشاء وإن لم يغب الشفق" للمحقّق الشهاب المرجاني، والكتاب مطبوع في "قزان"(البلغار القديم شمالي وولجا) سنة ١٢٨٧ هـ، لكن مطبوعات تلك الجهات أعزّ من كثير من المخطوطات، والعشور عليها غير ميسور منذ أمد بعيد، فرأيت عرض هذا البحث الممتع لأنظار الباحثين على طوله، لما فيه من الفوائد الجمّة والتحقيقات المهمّة، مع ازدياد أهمية هذا الموضوع، موضوع طبقات الفقهاء على مضي الزمن لكثرة الطامحين غير الواقفين عند حدودهم الجامحين المحوجين إلى كبح جماحهم بلجام من حجج توقفهم عند طورهم، حتى أصبح التفرّغ لتمحيص هذا البحث المتشعّب ضروريا للم شتاته وتنسيق متفرّقاته، وذلك مرهون بتوفيق الله عزّ وجلّ، وهو الموفّق لإخراج كلّ أمل إلى ساحة الفعل والعمل.
ومؤلّف الكتاب هو العلامة النظّار الجوّالة في فيافي الحديث والأنظار العالم البحَّاثة المغوار الفقيه الأصولي المتكلّم المؤرّخ الشيخ شهاب الدين بن بهاء الدين المرجاني، ولد في قرية "مرجان" في "قزان" سنة ١٢٣٣ هـ، وتلقّى العلم من والده، ثم رحل إلى "سمرقند" و"بخارى" سنة ١٢٥٣ هـ، وتخرّج في العلوم على شيوخ تلك البلاد، ففاز بنيل المراد، واستفاد من خزاناتها العامرة أيام ازدهارها بالكتب النادرة، حتى تمكّن من تأليف كثير من الكتب النافعة في الفقه والأصول والتوحيد والتاريخ، طبع كثير منها في "قزان" و"إسطنبول" و"القاهرة"، وتوفي في بلده ٢٧ شعبان سنة ١٣٠٦ هـ، تغمّده الله برضوانه، وأسكنه فسيح جنانه، وكان له صولات وجولات في العلم، وبعض شذوذ في الفهم، مغمور في بحر إجادته لكثير من البحوث المهمّة، مما بهم علماء هذه