واستقلّ بالخلافة أخوه المعتصم محمد بن هارون الرشيد، بعهد منه، وكان ملكًا شجاعًا، بطلًا مهيبًا، وهو الذي فتح عمورية، وقد كان المنجّمون قضوا بأنه يكسر، فانتصر نصرًا مؤزّرًا، وأنشد فيه أبو تمام قصيدته السائرة، التي أولها:
السَّيفُ أصْدَقُ أنْباءً من الكُتُب … في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللعبِ
والعلمُ في شُهُبِ الأرْمَاحِ لامِعَةً … بَيْن الخَمِيسَيْن لا في السَّبْعةِ الشُّهُبِ
أيْنَ الرِّوَايةُ أمْ أيْنَ النُّجومُ وَمَا … صَاغُوهُ مِن زُخْرُفٍ فيها ومن كذِبِ
تخرُّصًا وأحَاديثًا مُلفَّقةً ليْسَتْ بنَبْعٍ إذا عُدَّتْ ولا غَرَبِ قال: ولقد تضيق الأوراق عن شرح ما كان عليه من الشجاعة والمهابة والمكارم، والأموال، والخيل، والدهاء، وكثرة العسكر، والعُدَد، والعَدَد.
وقال الخطيب: ولكثرة عسكره، وضيق "بغداد" عنه، بنى "سامرا"، وانتقل بالعساكر إليها، وسمّيت العسكر.
ويقال: بلغ عدّة غلمانه الأتراك فقط، سبعة عشر ألفًا.
وقيل: إنه كان عريًا من العلم، مع أنه رويتْ عنه كلمات تدلّ على فصاحة ومعرفة.
قال أبو الفضل الرياشي: كتب ملك "الروم"، لعنه الله، إلى المعتصم، يتهدّده، فأمر بجوابه، فلمّا قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد! فقد قرأتُ كتابك، وسمعتُ خطابك، والجواب ما ترى، لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
ومن كلامه: اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي، ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك، ولا أرجوك من قبلي.