ولكن لما تفرقت الصحابة في البسيطة، واستشهد كثير منهم في الغزوات، وارتحلت جماعة منهم إلى الدار الآخرة، واحتاج الناس إلى تدوينها أمر عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم عامل "المدينة" بكتابتها، وأمره أن ينظر ماكان من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم وسنته عند أحد، فليجمعه، فلبى العلماء على هذه الدعاء.
وأما أول من صنف فقيل: ابن جُريج، وقيل: مالك، وقيل: أول من صنّف وبوَّب الربيع بن صبيح بـ"البصرة"، وقيل: صنف مالك "الموطأ" بـ"المدينة"، وعبد الملك بن جريج بـ "مكة"، وعبد الرحمن الأوزاعي بـ"الشام"، وسفيان الثوري بـ"الكوفة"، وحماد بن سلمة بن دينار بـ"البصرة"(١)، ثم كثرت المؤلَّفات، وسلك كل مسلكه في الجمع والترتيب، وصنّف الطيالسى سليمان بن داود المتوفى ٢٠٤ هـ مسندا، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى ٢١١ هـ مضنفا، والحميدي عبد الله ابن الزبير المتوفى ٢١٩ هـ مسندا، وأبو بكر بن أبي شيبة المتوفى ٢٣٥ هـ مصنفا، والإمام أحمد بن حنبل المتوفى ٢٤١ هـ مسندا، والدارمي عبد الله بن عبد الرحمن مسندا، حتى جاء عصر أرباب الصحاح الستة، وجمع الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى ٢٥٦ هـ "الجامع الصحيح" له، ودوَّن "مسلم بن الحجّاج" القشيري المتوفى ٢٦١ هـ "صحيحه"، وأثبتا فيهما الأحاديث الصحيحة المقطوعة، ثم تلاهم كل من الأئمة ابن ماجه محمد بن يزيد المتوفى ٢٧٣ هـ، وسليمان بن الأشعث أبو داود السجزي المتوفى ٢٧٥ هـ، والترمذي محمد بن عيسى بن سورة المتوفى ٢٧٩ هـ، والنسائى أحمد بن شعيب المتوفى ٣٠٣ هـ، فكان ذلك العصر خلاصة العصور، كان