قال الزبير بن بكَّار: حدثنا ابن مسكين، ومحمد بن مسلمة، قالا: سمعنا مالكا يذكر دخوله على المنصور، وقوله في انتساخ كتبه، وحمل الناس عليها، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير.
. . . ابن وهب، عن مالك: دخلت على أبي جعفر، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبلون يده، وعوفيت، فلم أقبل له يدا.
المحنة، قال محمد بن جرير: كان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف في سبب ذلك، فحدثني العباس بن الوليد، حدثنا ابن ذكوان، عن مروان الطاطري، أن أبا جعفر نهى مالكا عن الحديث:"ليس على مستكره طلاق" ثم دس إليه من يسأله، فحدثه به على رؤوس الناس، فضربه بالسياط.
وحدثنا العباس، حدثنا إبراهيم بن حماد، أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه، حمل يده بالأخرى.
ابن سعد: حدثنا الواقدي قال: لما دعي مالك، وشوور، وسمع منه، وقبل قوله، حسد، وبغوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان "المدينة"، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فواللَّه ما زال مالك بعد في رفعة وعلو.
قلت: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو اللَّه عن كثير، "ومن يرد اللَّه به خيرا يصب منه"، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم:"كل قضاء المؤمن خير له"، وقال اللَّه تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}.