بَاكِرْ صَبُوحَكَ أهْنَا العَيْشِ بَاكِرهُ … فقد ترنَّمَ فوق الأيْكِ طائِرُهُ
ومطلع قصيدته هو، قوله: يُمْنٌ ترَنَّم فوق الأيْكِ طَائِرهُ وطَائرٌ عمَّتِ الدُنْيَا بَشَائِرُهُ قلت: مطلعٌ حسن، وبشائر مقبولة، وطائر ميمون؛ ولكن أين بشائر ابن النبيه من هذه البشائر، وأين يُمن طائره من يمن هذا الطائر.
ولا بأس بإيراد غزل قصيدة ابن النبيه، وإن كان فيه خروج عن المقصود؛ فإنها قصيدة بديعة، ولي بها وبأخواتها من "ديوانه" غرام زائد، واعتناء متزايد، حتى قلت في حقّه متفضّلًا، وعلى فضله منبها، وله في الشعر وحُسن الذوق مُقدمًا:
يقولون لي هل للنباتي في الورى … إذا قِيلَتِ الأشْعارُ ثَمَّ شَبِيهُ
وهل من نبيهٍ في المعاني كَمِثْلِهِ … فقلتُ وهل كابْنِ النَّبيهِ نَبيهُ
وغزل القصيدة الموعود بذكره، قوله: باكِرْ صَبُحَكَ أهْنَا العَيشِ بَاكِرُهُ فقد ترنَّمَ فوق الأيْكِ طائِرُهُ
واللْيلُ تَجْري الدرَاري في مَجَرَّتهِ … كالرَّوْضِ تَطْو على نَهْرٍ أزاهرُهُ
وكوكبُ الصُّبْحِ نَجّاب عَلَى يَدِهِ … مُخَلَّقٌ تمْلأ الدُّنْيَا بَشائِرُهُ
فانْهَضْ إلى ذَوْبِ يَاقوتٍ لهَا حَبَبٌ … تنُوبُ عَن ثَغْرِ مَن تَهْوَى جَواهِرُهُ
حَمْرَاءُ في وجْنَةِ الساقي لهَا شَبَهٌ … فهل جَناهُ مَعَ العُنقود عاصِرُهُ
ساقٍ تكونَ من صُبحٍ وَمِن غَسَقٍ … فَاْبيضَّ خَدَّاهُ واسْوَدَّتْ غدائرُهُ
سُودٌ سَوالِفهُ لُعْسٌ مَراشِفُهُ … نُعْسٌ نَواظِرهُ خُرسٌ أساورُهُ
مُفلَّجُ الثَّغْرِ مَعْسُولُ اللَّمىَ غَنِجٌ … مُؤنثُ الجَفْنِ فَحْلُ اللَّحْظِ شَاطِرُهُ
مُهفْهَفُ القَدِّ يُيدي جسمُه تَرَفًا … مُخَصَّر الخَصْرِ عَبلُ الرِّدف وافرهُ
تَعلمتْ بَانَة الوادي شَمائِلَهُ … وَزَوَّرَتْ سِحْرَ عَيْنَيْهِ جَاذِرُهُ
كَأنَّهُ بسَوادِ الصُّبْحِ مُكْتحِلٌ … ورُكِّبَتْ فوق صُدْغَيهِ مَحَاجِرُهُ