وبالجملة، فقد عاش حكيم الأمة التهانوي رحمه الله في "دار العلوم" بين هؤلاء الأساتذة وأمثالهم رحمهم الله تعالى، واستفاد من علومهم وخدماتهم وصحبتهم، ولم يكن له طول دراسته أيّ شغل غير دراسة كتبه وخدمة أساتذته ومشايخه. وكان له في "ديوبند" عدّة أقارب، كثيرًا ما يوجّهون إليه الدعوة لتناول الطعام عندهم، ولكنّه كان يعتذر إليهم بأنه لم يدخل هذه البلدة إلا للتعلّم والدراسة، فلم يذهب إليهم مدّة خمس سنوات إلى أن فرغ من دراسته.
وكانت النصارى والهنود زمن دراسته بـ "ديوبند" قد نشروا بعثاتهم التبشيرية في جميع أنحاء "الهند"، وكانوا يهدّدون المسلمين، ويدعونهم إلى المناظرة والبحث، فكان رحمه الله إذا وجد فرصة ذهب إليهم، وناظرهم، وغلب عليهم ببالغ حججه وناصح بيانه، حتى اشتهر فيما بين الطلبة والعامّة بقوّة المناظرة وملكة الخطابة، ولكن كان هذا كلّه زمن دراسته بـ "ديوبند"، وأما بعد كونه شيخا محنكا فكان رحمه الله أبعد الناس عن المناظرة والجدل، لما كان يرى أن أمثال هذه المناظرات والبحوث يعوزها الإخلاص والصدق، وقلمّا تجدي في جلب الناس إلى الهداية والرشاد.
وهكذا تعلّم رحمه الله في دار العلوم بـ "ديوبند"، حتى فرغ من دراسته سنة ١٣٠٠ هـ، وكان من تواضعه أنه لما عزم أهل المدرسة على عقد حفلة كبيرة لتوزيع الشهادات والعمائم على المتخرّجين، فزع الشيخ رحمه الله، وذهب مع بعض رفاقه إلى أستاذه مولانا الشيخ محمد يعقوب النانوتوي رحمه الله، وكان رئيس المدرّسين يومئذ. وقال: إننا قد سمعنا أن المدرسة ستمنحنا شهادة الفراغ من العلوم، وتضع على رءوسنا العمائم، ولكن الحقيقة أننا لا نستحقّ هذه الشهادة، وهذا الإكرام، ونخشى أن