فقام حكيم الأمة الشيخ التهانوي رحمه الله بالردّ على هاتين الفكرتين نظريا وعمليا.
أما نظريا فقد أثبت في كتبه وخطبه ومواعظه ومجالسه أن التصوّف والإحسان جزء من أجزاء الدين وشعبة من شعب الإسلام، وأن أحكام الكتاب والسنّة تنقسم إلى قسمين، قسم يتعلّق بالأعمال الظاهرة التي تصدر من الأعضاء والجوارح مثل الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، والنكاح، والطلاق، وما إلى ذلك من الأحكام الشرعية، التي بسطها الفقهاء في كتبهم. والقسم الثاني من أحكام الكتاب والسنّة يتعلّق بالأعمال الباطنة، التي محلّها القلوب والأرواح، وفيها مأمورات ومنهيّات.
أما المأمورات فمثل الصدق، والإخلاص، والخشية، والرجاء، والشوق، والأنس، والصبر، والشكر والتواضع، والخشوع، وحبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإنابة، والإخبات إليه تعالى، وما إلى ذلك. وأما المنهيّات فمثل الرياء، والسمعة، والعجب، والتكبّر، والحقد، والحسد، واليأس، والقنوط، وحبّ المال، والجاه، وكثير من أمثالها.
فالتصوّف إنما يعتني بهذا القسم من الأحكام الإلهية، كما أن الفقه يعتني بالقسم الأول منها، وإن القرآن والسنّة مليئان بالنصوص الواردة في هذا الصدد، غير أن الأحكام التي تتعلّق بباطن الإنسان لا يمكن امتثالها عادة إلا بتدريب وتمرين وتربية ومراس، لأن الأمراض الباطنة مثل الرياء، والعجب، وغيرهما أمراض خفية، ربما لا يدركها المريض بنفسه، وإنما يحتاج لإدراكها إلى رجل عارف محنك، يشرف على حركاته وسكناته، وأعماله، وخواطره، وأفكاره ووساوسه، وهذا الرجل المشرف يسمّى في التصوّف شيخا، والرجوع إليه بيعة.