وأما هذه الكشوف، والخوارق، والشعوذة، والتصرّفات، والرؤيا، والمواجيد، فأثبت الشيخ التهانوي رحمه الله أنها ليستْ من التصوّف في شيء، لا شكّ أن الله سبحانه وتعالى قد أظهر بعض الكرامات على أيدي الصحابة والأولياء، ولا ريب أنه تعالى قد منّ على بعض عباده بالكشوف الصادقة، ولكنّها ليست مقصودة في الدين، ولا حجّة في الشرع، ولا شاهدة لصاحبها بالولاية والتقوى والتقرّب إلى الله، فإن أمثال هذه الكشوف والتصرّفات لا يشترط لها الصلاح، والتقوي، بل ولا الإسلام، والإيمان، فإنها ربما تحصل بالتمرين والممارسة للرجال فسقة كفرة، كما هو مشاهد من أصحاب ميسمرزم.
فالمقصود في التصوّف إنما هو التخلّق بالأخلاق الفاضلة، واجتناب الرذائل النفسية، والفائز الناجح في هذا الطريق هو الذي تحلّى بهذه الفضائل مع الامتثال التامّ للشريعة الإسلامية، والاتباع الكامل للسنّة النبوية، فإن أعطاه الله بعد ذلك نصيبا من فراسة الإيمان، أو حظّا من الكشوف الصادقة، فهو منّة زائدة من الله تعالى، وأما الذي حرم من هذه الأخلاق الفاضلة، واتباع السنة النبوية، ولم يجتنب هذه الرذائل النفسية، فهو بعيد كلّ البعد عن التصوّف والطريقة، والولاية والسلوك، سواء كان يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، أو يرقى في السماء.
فهذه الفكرة السليمة المعتدلة في أمر التصوّف مبسوطة في شتّى مؤلّفات الشيخ التهانوي ومواعظه بدلائلها من الكتاب والسنّة، وشواهدها من سير الصحابة، والأولياء، وحججها من العقل السليم والتجارب النفسية، ودفع ما يثار حولها من شبهات وتطبيق أعمال الصوفية الكبار على الكتاب والسنة بما يطمئنّ القلوب، ويثلج الصدور، ولا يدع مجالا للإنكار إلا لمكابر جاهل أو معاند متجاهل.