وأما عمليا فردّ الشيخ على هاتين الفكرتين بعمله الموافق للسنّة المحمدية، وتربية مسترشديه على منهاج الشريعة، فكان كلّما رجع إليه أحد للبيعة أمره أولا بأداء واجبه في الشريعة، سواء كان من حقوق الله أو حقوق العباد، وكانت عنايته بحقوق العباد آكد وأكثر، لما شاهد حال كثير من الناس أنهم يواظبون على العبادات، ويكثرون من ذكر الله، ولكنّهم يقصرون في حقوق العباد، ويخالفون الشرع في كثير من المعاملات، وكذلك كان اهتمامه بتعليم آداب المعاشرة أكثر من اهتمامه بتعليم الأوراد والأذكار وسائر التطوّعات، وكان يقول: إني أصرف أكثر عنايتي إلى أن لا يؤذى أحد مني أو من أصحابي، سواء كان ذلك الإيذاء بدنيا، كالضرب والنزاع، أو ماليا كغصب الحقوق والأكل بالباطل، أو ما يتعلّق بعرضه كإهانة رجل واغتيابه، أو نفسيا، مثل أن يترك أحد غيره في اضطراب وتشويش، أو يعامله بما يكرهه، وإن صدر شيء من ذلك خطأ، فالواجب أن يبادر إلى طلب العفو والصفح.
وإني أهتمّ بهذه الأشياء أكثر من اهتمامي بغيرها، حتى لو رأيت أحدا يخالف الشريعة في وضعه الظاهر فإن ذلك يحدث في نفسي نوعا من الألم، وأما إذا رأيت أحدا لا يبالي بأداء هذه الحقوق، فإنه يحزنني حزنا شديدا، وأدعو الله تعالى له بأن ينجيه من هذه الموبقات (١).
ويقول في موضع آخر: إن رأس الخلق الحسن وأساسه أن يهتمّ الرجل بأن لا يتأذّى به أحد، وهو الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الجامع: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وكلّ ما كان سببا لإيذاء أحد فهو داخل في سوء الخلق، سواء كان صورته صورة خدمة أو أدب