للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعظيم، مما يزعمه الناس حسن خلق، لأن حقيقة الخلق الحسن هي إراحة الغير، وهي مقدّمة على الخدمة، فالخدمة بغير الإراحة قشر بلا لب. وإن آداب المعاشرة ولو كانت متأخّرة عن العقائد والعبادات من حيث كونها شعائر للدين، ولكنّها مقدّمة على العقائد والعبادات من حيثية أخرى، وهي أن في الإخلال بالعقائد والعبادات ضررا لنفس الإنسان، وفي الإخلال بآداب المعاشرة ضررا لغيره، وإضرار الرجل غيره أشدّ من إضراره نفسه، ومن ثمّ قدّم الله تعالى قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، الذي فيه تعليم آداب المعاشرة على قوله: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، الذي فيه تعليم العبادات وغيرها، فالمعاشرة الحسنة مقدّمة على الفرائض من بعض الوجوه. وأما تقدّمه على النوافل فثابت بجميع الوجوه.

ولم تكن عند الشيخ التهانوي رحمه الله نظريات محضة وأفكار خاوية، وإنما كانت هذه النظريات متجلّية في أعماله وحياته، بل وفي حياة مسترشديه.

فكان "الخانقاه الإمدادي" دار تربية فريدة في منهجها في العالم، تهذب فيها الأخلاق، وتثقّف فيها الأفكار، وتعلّم فيها آداب الحياة الفردية والاجتماعية، يجتمع فيها المسلمون من أنحاء "الهند" وجوانبها، فيهم العلماء والمشايخ الكبار، وفيهم الأطبّاء والمهندسون، وفيهم الموظّفون والمدرّسون، وفيهم أصحاب الزراعة والصناعة، وفيهم رجال من جميع مجالات الحياة، يأتون إليه، ويسكنون عنده فترات طويلة، وربما تكون معهم الزوجات والأولاد، فيشرف الشيخ على أحوالهم، ويعلّمهم الدين، ويدرّبهم على الأخلاق الإسلامية، ويصف لهم طريق الحصول عليها، ويمرّنهم على آداب المعاشرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>