فاستفدتُ من فيوضه، حتى شرعتُ في "شرح الكافية" لملا جامي، وجعلتُ أناظر آخرين من الطلبة. بالبحث في الصيغ المشكلة، والتراكيب المعضلة، وكانت الحرب سجالا، وبينما أنا على ذلك، إذ ألقتْني صروفُ الدهر ونوائبُه إلى "شاه جهان بور"، وفوّضني أخي إلى رجل، ممن لا شيء عنده من العلم، غير العجب والكبر والدعاوي الباطلة، والتزيّ بزيّ العُلماء، فضيّعتُ مصاحبا له من عمري سنة كاملة وبضعة أشهر، ولولا نعمة ربي وأجابته المضطرّ لصرتُ إلى الحور بعد الكور، ثم أخذ التوفيق الإلهي بيد هذا الضال في الحيرة، فدخل في مدرسة، هي كاسمها "عين العلم"، بقاها الله، وأساتذتها وعمالها إلى نهاية الدوران، أسّسها المولى عبيد الحق خان قدّس سرّه، وكان أبوه أو جدّه من أهل "كابل"، وهو من أجلّ علماء زمانه، وأتقاهم، مات فجأة مبطونا، قرأتُ عليه، وعلى المولى السيّد بشير أحمد المراد آبادي، والمولى محمد كفاية الله الشاهجهان بوري ثم الدهلوي، أدام الله فيوضهما ما دام الملوان، واستفضتُ منهم سنين عديدة، ولما كان لكلّ شيء آفة وللعمل آفات أحاطتْ بي عواصفُ النوائب، حتى تيقّنتُ بحرماني من العلم، فعرضتُ ما اعترض لي من سوء المآل على المولى عبيد الحق خان رحمه الله، فأشار إليّ بترك الأهل والأوطان، فقلتُ: سمعا لقولك، وطوعا لأمرك، وتمثّلتُ بقول الشاعر:
تلقى بكلّ بلاد إ ٥٤ ن حللت بها … أهلا بأهل وأوطانا بأوطان.
فارتحلتُ وأقاربي غير راضين، فدخلتُ دار العلوم الديوبندية، وشرعت المجلّد الأول من "الهداية" عند المولى الحافظ السلالة القاسمية، أفاض الله علينا من بركاته، وبعض كتب المنطق عند المولى محمد سهول البهاكلبوري، وكان متعلّما فيها، والكتب الأخرى عند غيرهما، ثم ارتحلتُ إلى "ميرته" بإصرار