فحصل علوم العربية والفقه والأصول والتفسير والحديث وغيرهما تحصيلَ فهم وإتقان، ولما يبلغ الثانية عشرة من العمر، وكان علم الفقه والفتوى في رحاب "كشمير" مما يتسابق في حلبة رهانه، فكان الشيخ الناشئ الموهوب يفتي الناس، وهو في الثانية عشرة من العمر، وتأتي فتاواه في سدادها عديلة لفتاوى كبار الشيوخ هناك.
ثم بدا له أن يأخذ بسنة السلف في الرحلة لطلب العلم وتحصيله، فرحل إلى مجامع العلم والتعليم، ليلقى العلماء، ويشام الناس، ويتعرّف إليهم، ويعرفهم باختلاف طبائعهم وعاداتهم وأفهامهم وأذواقهم، فتتّسع له الخبرة في العلم والخبرة في الحياة أيضا، فرحل من بلده "كشمير" إلى مهد العلماء الربّانيين والجامعة العظيمة الدينية أكبر جامعة إسلامية في "الهند": "دار العلوم الإسلامية" في بلدة "ديوبند"، وهي على مائة ميل من الجانب الغربي الشمالي لمدينة "دهلي" عاصمة "الهند".
وكانتْ هذه الجامعة "قرطبة الهند" وأزهرها العامر، تزخر بكبار العلماء في كلّ علم، في الحديث السمريف وعلومه، وفي التفسير وعلوم القرآن، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، والمنطق وعلوم العربية. وكان أكبر كبارها وشيخ شيوخها الشيخ محمود حسن الديوبندي، الملقّب بشيخ العالم، والمعروف بشيخ "الهند". وكان في الحديث الشريف مسند الوقت ورحلة الأقطار الهندية.
وكانتْ هذه الجامعة العظيمة شمسا ساطعة، أضاءتْ منها بقاع "الهند"، فأحيتْ السنّة النبوية دراسة في ساحاتها، وفي حياة العلاء وسلوكهم، وأزالتْ ظلمات البدع المتكاثفة بعد ما تراكمتْ في تلك البقاع عهودا طويلة، وجرَّدتْ مناهل العلم والشريعة من كلّ دخيل عليها، كما جرّدتْ سلوك