الصاحبة، وابن الطحّان، وابن بردس من "الشام" إلى "مصر"، فأسمعوا بالقلعة، وغيرها، وبصحبته انتفع التقي القلقشندي، ولا زال بشيخنا، حتى لقبه بالحافظ، وخاشن أخاه العلاء بسببه، ولذا كان التقي يطريه بحيث سمعته يقول: إنه لا يشذّ عنه من التهذيب لفظة، وكذا لما رجع من "الشام" أخبر شيخنا بأنه لم ير في طلبة ابن ناصر الدين أنبه من قطب الدين الخيضري لقربه من الطلب دونهم، وانتفع القطب حين حضوره "القاهرة" بذلك.
وبالجملة فكان فاضلا ذاكرا لجملة من الرجال والتاريخ وأيام الناس، مشاركا في الأدب وغيره، حسن المحاضرة، حلوّ المذاكرة، جيِّد الخطّ، فصيحا، عارفا بفنون الفروسية، محبا في الحديث، وأهله، مستكثرا من كتبه، فردا في أبناء جنسه، مع زهو وإعجاب وتعاظم، وربما كان يقول: إن الأمر يصير إليه، ويترجى تأخّره عن وفاة شيخنا، ويقول: إنما تكثر ديوني بعد موته إشارة إلى أنه هو الذي يأخذ كتبه، ويأبى الله إلا ما أراد، وقد رأيته كجلس شيخنا، وسمعت من كلامه وفوائده، كتبت من نظمه:
خذ القرآن والآثار حقا … وتوقيفا وإجماعا بيانا
دع التقليد بالنصّ الصريح … ولا تسمع قياسا أو فلانا
وغير ذلك، وبلغني أن له قصيدة باللغة التركية، عارض بها بعض شعر "الروم"، يعجز عنها فيما قيل الفحول ما وقفت عليها، عفا الله عنه.
وقد مدحه محمد بن حسن بن علي النواجي، بقصيدة فريدة، لا بأس بإيرادها هنا بتمامها، وهي:
أَياديكَ أم بَحْرٌ يَجِلُّ عن النهرِ .... ولَفْظك دُرٌ أم هو الكوكب الدُّرِّي
ووَشْيُ رَقِيمٍ بالْيَراعِ مُحَبَّر … بطِرْسِك أم نَوْعٌ بَدِيعٌ من السِّحْرِ
وغُصنُ يَرَاعٍ ما نَرَى أم سَحابةٌ … تَسِيرُ بأرْزاقِ البَرِيَّةِ بل تسْرِي