وأرسل الرشيد من ليلته البرد في الاحتياط على البرامكة جميعهم بـ "بغداد" وغيرها، ومن كان منهم بسبيل، فأخذوا كلّهم عن آخرهم، فلم يفلتْ منهم أحد، وحبس يحيى بن خالد في منزله، وحُبس الفضل بن يحيى في منزل آخر، وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الأموال والموالي والحشم والخدم، واحتيط على أملاكهم.
وبعث الرشيد برأس جعفر وجثّته، ثم قطعت شقّين، فنصب الرأس عند الجسر الأعلى، وشقّ الجثّة عند الجسر الأسفل، وشقّها الآخر عند الجسر الآخر، ثم أحرقتْ بعد ذلك.
ونودي في "بغداد": أن لا أمان للبرامكة، ولا لمن والاهم إلا محمد بن يحيى بن خالد، فإنه استثناه من بين البرامكة، لنصيحة الخليفة، وشحنت السجون بالبرامكة، واستلبت أموالهم كلّها.
وقد كان الرشيد في اليوم الذي قتل في آخره جعفر، هو وإياه راكبين في الصيد، وقد خلا به دون ولاة العهود، وطيبة في ذلك اليوم، ولما كان وقت المغرب، وودعه الرشيد، ضمّه إليه، وقال: لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك، فاذهب إلى منزلك، فاشرب، واطرب لتكون على مثل حالي.
فقال: والله يا أمير المؤمنين! لا أشتهي ذلك إلا معك.
فانصرف (١) عنه جعفر، فما هو إلا أن ذهب من الليل بعضه حتى أوقع به الباس والنكال، كما تقدّم ذكره، وكان ذلك ليلة السبت، آخر ليلة من المحرم، وقيل: إنها كانتْ ليلة مستهلّ صفر، سنة سبع وثمانين، وكان عمر جعفر إذ ذاك سبعًا وثلاثين سنة.
ولما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بقتله قال: قتل الله ابنه. ولما قيل له: خربت دارك. قال: خرّب الله دوره.