والثالث، رأيت لكلّ أحدٍ من الناس عدوا، فقلت: أنظر من عدوّي، فرأيت من اغتابني أو أخذ (١) من مالي أو ظلمني فليس عدوّي، ولكن عدوّي الذي إذا كنت في طاعة الله تعالى أمرني بمعصيته، فرأيت أن ذلك إبليس اللعين وجنوده، فاتخذتهم أعْداء، ووضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، وفوقت سهمي، ولا أدع أحدًا منهم يقربني. قال: أحسنت.
والرابع، رأيت كل واحدٍ من الناس له طالب، فرأيت أن ذلك الطالب ملك الموت، ففرغت نفسي له، حتى إذا جاء بادرت معه بلا علاقة. قال: أحسنت.
والخامس، نظرت في الخلق، فأحببت واحدًا وأبغضت واحدًا، فالذي أحببته لم يعطني شيئًا، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئًا، فقلت: من أين أتيت؟ فنظرت، فإذا هو الحسد، فنفيته عني، وأحببت الناس كلهم، فكل شئٍ لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم. قال: أحسنت.
والسادس، رأيت كلّ واحد من الناس له بيت يسكنه ويأوى إليه، فرأيت مسكني القبر، فكلّ شيءٍ قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي، حتى أعمر قبري، فإن القبر إذا كان خرابًا، لا يمكن المقام فيه.
فقال له شقيق: يكفيك، ولست بمحتاج إلى غيره.
وقال: الزاهد يُذيب كيسه قبل نفسه، والمتزهّد يذيب نفسه قبل كيسه، ولكلّ شئٍ زينةٌ، وزينة العبادة الخوف، وعلامة الخوف قصر الأمل.
وقال، رحمه الله تعالى، ما ينبغي أن يكتب بماء الذهب، وهو: لا تغتر بموضع صالح، فلا مكان أصلح من الجنة، لقي فيها آدم عليه الصلاة