للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسلام ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة، فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم، فانظر ماذا لقي، ولا تغتر برؤية الصالحين، فلا شخص أكبر ولا أصلح من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تنتفع بلقائه أقاربه وصاروا أعداءه.

وعن أبي عبد الله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم إلى "الري"، ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلًا يريدون (١) الحج، وعليهم الصوف والرزمانقات (٢)، وليس فيهم من معه طعام ولا جِراب، فنزلنا على رجل من التجار متنسك يحب الصالحين، فأضافنا تلك الليلة، فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، ألك حاجة، فإني أريد أن أعود فقيهًا لنا وهو مريض؟ فقال حاتم: إن كان لكم فقيهٌ عليل، فعيادة الفقيه فيها فضل كثير، والنظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضًا أجئ معك.

وكان المريض محمد بن مقاتل (٣)، قاضي "الري"، فقال: مر بنا يا أبا عبد الرحمن. فجاءوا إلى باب داره، فإذا البوّاب كأنه أمير مسلط، فبقى حاتم متفكّرًا يقول: باب دار عالم على هذه الحال!! ثم أذن لهم فدخلوا، وإذا بدارٍ قوراء (٤)، وآلهٍ حسنة، وبزة وفرش وستور، فبقي حاتم متفكرًا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، وإذا بفراش حسن وطئٍ ممهد، وهو راقد عليه، وعند رأسه خدمه، والناس وقوف.

فقعد الرازي وسأل عن حاله، وبقى حاتم قائمًا، وأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده: اجلس.


(١) في بعض النسخ: "يريد".
(٢) في شفاء العليل ١٠٨: رزمة بالكسر، ما يجمع فيه الثياب، والعامة تضمّه، فلعل هذا منه، أو لعله نوع من الثياب.
(٣) ذكر الشعراني في طبقاته ١: ٨٠، ٨١ هذه القصة باختصار.
(٤) قوراء: واسعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>