وشرع يجتهد لاستئصال الشرك والبدع، وكان يؤمّ في مسجد داره بغير راتب، فلمّا خاف علماءُ المنطقة وقادبها المقلّدون الأعراف والخرافات أن إيراداتهم ستتوقّف من أجل حركته، تحالفوا وطفقوا يتآمرون ضدّه، ولكنه كان لا يزال ثابتا على رسالته، وصابرا على أذاهم، هذا ونزعات والده بدورها كانت إلى أولئك المبتدعين والقبوريين، فكان يحلم أن ولده سيكون بعد العودة إلى الوطن بعد اجتياز مراحل الدراسة قائد أولئك العلماء، ولكن الوالد رغم تواجد التضادّ في الفكر والمبدأ، قال يوما لابنه الوحيد المدلّل: إذا كانت هذه الأعمال عندك غير شرعية فماذا سيكون تدبير معيشتك؟ طيّب، لي ثروة كثيرة، فدبّر المعيشة بالحرث، ثم اشترى له الأبُ ثورين للحرث، ولكن من يستطيع أن يفهم إرادة الله تعالى؟ إنه كان أعلم بالخدمات التي يستعمله لها، مات الثوران بعد الحرث يوما، فقال الأب أسيفا كئيبا: ولدي هذا سئ الحظّ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أخذ الناس يوجّعونه باتّهامات شتى، فكان يقول البعض: هو خارج عن مسلك الأئمة الكرام، وقال البعض: إنه أصبح وهّابيا، ولكنّه رغم ذلك لم يقصرْ في نشر التوحيد والسنّة، ثم كتب رسالةً إلى شيخه التهانوي، وأطلعه فيها على أحوال أسرته ومنطقته، واستشاره، فأشار عليه:"انعزلْ عن الخلق، وأد أورادك المأمور بها، وعزّزْ علاقتك بالله"، فجعل يعمل بنصائحه، ولما لاحظَ الناس ذلك طفقوا يتفوّهون:"إن فضيلة الشيخ حبيب الله وقع في الأربعين"، الممارسون التصوّف في ذلك الزمان، كانوا يحفرون حفرا مثل القبور، وكانوا يسكنون فيها أربعين يوما، وكان الناس يرون هذه الظاهرة شيئا مقدّسا، فطفق يزوره الناس بالهدايا، فواجهَ ما كان يريد سدّه، فكتب إلى شيخه مرّة ثانية، فردّ عليه شيخه قائلا:"اجتهدْ لاستئصال الشرك والبدعة بنشر التعليم الديني"، فأسّس مدرسة قرآنية، وأخذ يشيع بها الدين الحقيقي.