وإلى هذا الجانب مرّة، من كثرة إدخالات الحسن عليه ورجوعه من جواب إلى جواب، هو يدري مبلغ براعة أبي يوسف في ميدان السؤال والجواب، كيفية إسكاته لكثير من كبار الفقهاء في الجدل، يدري ما في هذه الحكاية من حسن الشهادة للحسن في المناظرة، مع مثل أبي يوسف.
وقال الصيمري: أخبرنا أحمد بن محمد الصيرفي، قال: حدّثنا علي بن عمرو، قال: حدّثنا النخغي القاضي، قال: حدّثنا محمد بن منصور الأسدي، قال: سألت نمر بن جدار، فقلت: أيما أفقه، الحسن بن زياد أو محمد بن الحسن؟ قال: الحسن، والله لقد رأيتُ الحسن بن زياد يسأل محمدا، حتى بكى محمد مما يخطئه. قال: فقلت له: قد لقيت أبا يوسف وحسنا ومحمدا، فكيف رأيتهم؟ فقال: أما محمد فكان أحسن الناس سؤالا، وأحسنهم جوابا، ولم يكن سؤاله على قدر جوابه. وكان الحسن بن زياد أحسن الناس سؤالا، ولم يكن جوابه على حسب سؤاله، وكان أبو يوسف أحسنهم سؤالا، وأحسنهم جوابا، فشهد نمر لأبي يوسف بالتفوّق على الاثنين، كما شهد لكلّ واحد منها بالتفوّق على الآخر من جهة وجهة، على أن مثل هذا الحكم لا يكون باتا، لأن العالم قد ينشط في مجلس، ويفتر في مجلس آخر، لأسباب نفسية، وهذا لا يدلّ بمجرّده على رجحان هذا على ذاك مطلقًا، والإنصاف أنه لا مجال لإنكار فضل أبي يوسف على الاثنين، وفضل محمد على الحسن، رضي الله عنهم أجمعين.
وقال الصيمري أيضًا: أخبرنا عبد الله بن محمد الشاهد قال: حدّثنا مكرم، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن محمد، قال: سمعتُ الحسن بن أبي مالك، قال: كان الحسن بن زياد إذا جاء إلى أبي يوسف أهمّته نفسُه.
وقال ابن شجاع: سمعتُ ابن زياد يقول: مكثت أربعين سنة لا أبيت إلا والسراج بين يديَّ، كفى للحسن بن زياد فخرا أن تكون منزلته