كتب الجرح بجروح لا طائل تحتها كقولهم: فلان من الواقفة الملعونة، أو من اللفظية الضالة، أو كان ينفي الحدّ عن الله، فنفيناه، أو لا يستثنى في الإيمان فمرجئ ضال، أو جهمي في غير مسألة الجبر، وإنكار الخلود، ونحو بها، أو كان لا يقول: إن الإيمان قول وعمل، فتركناه، أو ينسب إلى الفلسفة والزندقة، لمجرّد النظر في الكلام، أو ينظر في الرأي، ونحو ذلك، مما لبسطه موضع أخر.
ومن أخطر العلوم علم الجرح والتعديل، وفي كثير من الكتب المؤلّفة في ذلك غلو وإسراف بالغ، ويظهر منشأ هذا الغلو مما ذكره ابن قتيبة في "الاختلاف في اللفظ"(ص ٦٢) ولا يخلو كتاب، ألف بعد محنة الإمام أحمد في الرجال من البعد عن الصَّواب، كما لا يخفى على أهل البصيرة، الذين درسوا تلك الكتب بإمعان، قال الرامَهرمزي في "الفاصل بين الراوي والواعي": "وليس للراوي المجرّد أن يعترض لما لا يكمل له فإن تركه ما لا يعنيه أولى به، وأعذر له، كذلك كلّ ذي علم"، فكان حرب بن إسماعيل السيرجاني (الكرماني) صاحب المسائل عن إسحاق وأحمد قد اكتفى بالسماع، وأغفل الاستبصار، فعمل رسالة، سماها "السنّة والجماعة"، تعجرف فيها، واعترض عليها بعض الكتبة من أبناء "خراسان" ممن يتعاطى الكلام ويذكر بالرياسة فيه، والتقدّم، فصنّف في ثلب رواة الحديث كتابا، يلقط فيه كلام يحيى بن مَعين، وابن المديني، ومن "كتاب التدليس" للكرابيسي وتاريخ ابن أبي خيثمة، والبخاري ما شنّع به على جماعة من شيوخ العلم خلط الغثّ بالسمين، والموثوق بالظنين.
ولو كان حرب مؤيّدا مع الرِّواية بالفهم لأمسك من عنانه، ودرأ ما يخرج من لسانه، ولكنه ترك أولاها، فأمكن القارة من رماها، ونسأل الله أن ينفعنا بالعلم، ولا يجعلنا من حملة أسفاره والأشقياء به، إنه واسع لطيف قريب مجيب، وقد ذكرت في "التأنيب"(أي ذكر الشيخ زاهد) عند ذكر