للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلم يَشْفِ مانَاتَهُ "بالشَّفا" … ولم يَنْجُ مِن مَوْتهِ "بالنَّجَاةِ"

وصية ابن سينا لأبي سعيد بن أبي الخير الصوفي الميهي ليكن اللَّه تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كلّ اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه، وقدمها موقوفة على المثول بين يديه، مسافر بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحطّ إلى قراره، فلينزّه اللَّه في آثاره، فإنه باطن ظاهر، تجلّى لكلّ شيء بكلّ شيء.

ففِى كُلِّ شيءٍ له آيَةٌ … تَدُلُ علَى أنَّه وَاحِدُ (١)

فإذا صارت هذه الحال له ملكه انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلّى له قدس اللاهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق البذّة القصوى، وأخذ عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السكينة، وحقّت له الطمأنينة، وتطلع على العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخف لثقله، مستخس به لعلقه (٢)، مستضل لطرفه، وتذكر نفسه وهي بها لهجة، وببهجتها صجة، فتعجّب منها ومنهم تعجّبهم منه وقد ودعها، وكان معها كأن ليس معها.

وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وانفع البرّ الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي المراءاة، وأن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أم الفضائل، ومعرفة اللَّه أول الأوائل، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (٣).


(١) البيت من مشهور قول أبي نواس.
(٢) في عيون الأنباء: "مستحسن به لعقله"، ولعل ما هنا أقرب إلى المراد.
(٣) سورة فاطر ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>