واعتزل الشيخ السياسة العملية بعد استقلال البلاد، وعكف على الدرس والإفادة، والدعوة إلى اللَّه، وتربية النفوس، لا يتصل بالحكومة ورجالها، حتى أنعم عليه رئيس الجمهورية في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف برتبة فخرية، فرفض ذلك قائلا: إنه لا ينسجم مع طريقة أسلافه، وبقي فى "ديوبند" يدرّس الحديث الشريف، ويتجوّل في "الهند" يدعو المسلمين إلى التمسّك بالدين، وإتباع الشريعة الغرّاء، واقتفاء السنن النبوية، وإصلاح الحال، والإكثار من ذكر اللَّه، وقد عطف اللَّه عليه القلوب والنفوس، وغرس حبّه في أهل الخير، فأقبلوا عليه زرافات ووحدانا، وتقاطر عليه الناس من كلّ صرب، وانهالت عليه الدعوات، وهو يتقبّلها بقلب طيب، ويتحمّل في سبيلها المشاقّ، حتى اعتراه مرض القلب وضغط الدم، فانقطع عن الأسفار مدّة قليلة، ولزم بيته، وهو ملتزم للأوراد، جاد في التربية والإرشاد، وإكرام الضيوف ولقاء الزوار، قد تغلب عليه الخشوع والرقّة، والابتهال إلى اللَّه تعالى، والتهيؤ للقائه، حتى وافاه الأجل في الثالث عشر من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في جمع حاشد، لا يحصى، ودفن بجوار أستاذه الشيخ محمود حسن الديوبندي، والإمام محمد قاسم النانوتوي.
كان الشيخ حسين أحمد من نوادر العصر وأفراد الرجال صدقا وإخلاصا، وعلوّ همّة وقوّة إرادة، وشهامة نفس، وصبر على المكاره ومسامحة للأعداء، يشفع لهم، ويسعى في قضاء حوائجهم، وثبات على المبدأ ورحابة ذرع سعة صدر، وجمع للأشتات من الفضائل والمتناقضات من الأعمال، له نزاهة لا ترتقي إليها شبهة، وهمّة، لا تعرف الفتور والكسل، واشتغال دائم لا يتطرّق إليه الملل.