فلم أدر ما أقولُ، فأمرتُها تسأل حمَّادًا، ثم ترجع، فتخبرني.
فسألتْ حمادًا، فقال: يُطلّقُها وهي طاهرة من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضين، فإذا اغتسلتْ فقد حلّتْ للأزواج.
فرجعتْ، فأخبرتْني، فقلتُ: لا حاجة لي في الكلام، وأخذتُ نعلي، وجلستُ إلى حمَّاد، فكنت أسمع مسائلَه، فأحفظُ قولَه، ثم يعيدها من الغد، فأحفظ، ويخطئ أصحابه، فقال: لا يجلسُ في صدر الحلقة بحذائي غيرُ أبي حنيفة، فصحبتُه عشر سنين.
ثم إني نازعتْني نفسي لطلب الرياسة، فأحببتُ أن أعتزله، وأجلسُ في حلقة لنفسي، فخرجتُ يومًا بالعشى وعزمى أن أفعل، فلما دخلتُ المسجد، فرأيته، لم تطبْ نفسي أن أعتزله، فجئتُ فجلستُ معه، فجاءه في تلك الليلة نعى قرابة له، قد مات بـ "البصرة"، وترك مالًا، وليس له وارث غيره، فأمرني أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج، حتى وردتْ عليَّ مسائلُ لم أسمعْها منه، فكنت أجيب، وأكتب جوابي، فغاب شهرين، ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحوًا من ستين مسئلة، فوافقَنى في أربعين، وخالفَنى في عشرين، فآليتُ على نفسي أن لا أفارقَه حتى يموت، فلم أفارقْه حتى مات.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال (١): قدمتُ "البصرة"، فظننتُ أني لا أُسأل عن شيء إلا أجبتُ فيه، فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلتُ على نفسى أن لا أفارقَ حمَّادًا حتى يموت، فصحبتُه ثماني عشرة سنة.