للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما خرجتُ تركتُ القنديل، ولم يكن إلا زيت قليل، فجئتُ وقد طلع الفجر، وهو قائم، قد أخذ بلحية نفسه، وهو يقول: "يا من يجزي بمثقال ذرة خيرًا خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شرًا شرًا، أجر النعمان عبدَك من النار، وما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك". قال: فأذنت، فإذا القنديل يزهو وهو قائم، فلما دخلتُ، قال لي: تريد أن تأخذ القنديل؟ قال: قلتُ: قد أذنت لصلاة الغداة.

قال: اكتمْ على ما رأيتَ.

وركع ركعتي الفجر، وجلسَ حتى أقمتُ الصلاة، وصلَّى معنا الغداةَ على وضوء أول الليل. انتهى.

وقام (١) رضى الله تعالى عنه ليلة بهذه الآية (٢): {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يردّدها، ويبكي، ويتضرّع.

وكان رحمه الله تعالى - كما قال ابن المبارك - أورع أهل "الكوفة".

وروي (٣) أنه كان شريكًا لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبًا، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسي أن يبين، ولم يعلمْ ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.

وروي أيضًا (٤)، عن أبي عبد الرحمن المسعودي، عن أبيه، قال: ما رأيتُ أحسنَ أمانة من أبي حنيفة، ماتَ يوم مات، وعنده ودائع بخمسين ألفًا، ما ضاع منها ولا درهم واحد.


(١) هذا الخبر أيضا في تاريخ بغداد ١٣: ٣٥٧ عن القاسم بن معين.
(٢) سورة القمر ٤٦.
(٣) تاريخ بغداد ١٣: ٣٥٨.
(٤) تاريخ بغداد ١٣: ٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>