وله مشايخ غير هؤلاء ذكر أغلبهم، وترجم لبعضهم في ثبته المسمّى "التحرير الوجيز".
ولما نال إجازته العلمية سنة ١٣٢٥ هـ اشتغل بالتدريس في جامع الفاتح إلى أوائل الحرب العظمى الماضية، التي بدأت في سنة ١٣٣٢ هـ، ولَمّا كان ممن قاوموا التغيير الذي أراد أن يقوم به الاتّحاديون القائمون بالحكومة العثمانية وقتئذ، ذلك التغيير الذي أرادوا به القضاء على العلوم الدينية تحت ستار الإصلاح (١)، فقد أصبح عرضة لاضطهادهم.
وتفصيل الأمر أن النظام القديم كان يقضي بأن الطلبة يختارون شيخًا يحضرون عليه العلوم جميعها من مبدئها إلى غايتها لمدّة خمس عشرة سنة، فأراد أصحاب النظام الجديد إدخال العلوم الحديثة الغربية، وتخصيص المدرّسين بأن يدرّس كلّ منهم ما يختار له من العلوم لعدّة فصول، وجعلوا مدّة الدراسة ثماني سنين، وعقدوا لذلك مجمعًا، وكان شيخنا من أعضائه، فرأى في ذلك قضاء على الدين لقصر مدّة الدراسة وكثرة العلوم خصوصا، وأن الطلبة أتراك، والعلوم الدينية تستلزم دراسة اللغة العربية، فما زال يحتال ويمكر، حتى جعل مدة الدراسة اثنتي عشرة سنة غير البدء بسنتين تحضيريتين، وبعد ذلك ثلاث سنوات للتخصّص، فأصبحت المدّة سبع عشرة سنة، وذلك بمعاونة بعض الصلحاء من أعضاء اللجنة، مما أثار حفيظة صنائع الاتحاديين من أعضاء اللجنة، فسعوا في عزل شيخ الإسلام في ذلك العهد محمد أسعد بن النعمان الأخِسيْخَوي، وتعيين خيري أفندي الأركوبي، الذي كان على بغضه للقديم وصرامته ذا ورع ودين إلى حدّ ما، فلم ينل الاتّحادييون مشتهاهم، وصدر قانون الإصلاح محقّقا لرغبات المجمع،
(١) والإصلاح دائما هو الدعوى التي لجأ إليها الملاحدة إذا أرادوا محاربة الدين الذى يرونه مانعًا لهم من بلوغ مآربهم الفاسدة.