وهادمًا لشهوات المتطرّفين، فلما شمرت الحرب عن ساقها، وكان شيخنا اختير له علوم البلاغة والوضع والعروض والتدريس في معاهد نظامية يوميًا ما عدا يوم الجمعة، أشار عليه بعض أصدقائه من الاتحاديين بأن وجوده في "الآستانة" أثناء الحرب قد يجعله عرضة لبعض الاضطهاد، فقال: إنه يودّ القيام بافتتاح المعهد الفرعي الذي أنشاته الحكومة في "قسطموني" بوسط "الأناضول"، فصدر الأمر بنقله، حيث بقي هناك ثلاث سنوات استقال عقبها، وعاد إلى "الآستانة".
ومما حدث له قبل ذهابه إلى "قسطموني" أن الجامعة أرادت تعيين أحد أساتذتها لتدريس الفقه وتاريخه، فتنافس في ذلك الأساتذة الاتّحاديون، فرأت الإدارة عقد امتحان، وأخبره بالنبأ أحد زملائه، فقدّم طلب الدخول في الامتحان آخر يوم، وأصبح فأدّى الامتحان، وكان الأول في النجاح، ولكنّ الاتّحاديون غاظهم هذا الأمر، فقام أحد كبار نوّابهم.
وكان زميلًا للشيخ في التدريس بالفاتح، واسمه فاضل عارف المتوفّى سنة ١٣٤١ هـ، وطلب من وكيل (١) المعارف المدعو محمد شكري بك أن يوقف تبليغ موافقته للجامعة، ففعل، فلما علم الشيخ بذلك زاره، وقال له: والآخر يعجب من زيارة خصمه -علمت من الصحف نبأ تعييني، ولما كنت زميلي في التدريس ومن ذوي الجاه الآن، فلا بدّ أن ذلك كان بمساعدتك، واضطرّ عارف إلى مجاراة الشيخ وقبول شكره، وتناسي معاكسته السالفة.
ولما رأى الاتّحاديون أنّه لا مناص من تعيين خصمهم اكتفوا بانتداب أحد الأساتذة لهذه الوظيفة، ولم يعينوا فيها أحدًا، حتى لا يتعرّضوا للنقد
(١) أي الوزير، وكانت تطلق عليه كلمة الوكيل وقتئذ باعتبار أن كلّ وزير نائب عن السلطان في وزارته، فهو في حكم وكيله.