فمن مأثور نثره قوله:(اللامذهبية قنطرة اللادينية) وهو قول لو تدبّره المنصف لوجده من جوامع الكلم، فإن للشيطان تلبيسات، وهو يزين للمرء الوقوع في اللمم، ولا يزال به، حتى يجرئه على ارتكاب الكبائر، والمذاهب الإسلامية كلّها توصل إلى السعادة الدنيوية، وإلى الجنة في الآخرة، فهي أشبه بعدّة طرق، توصل إلى مدينة، فالسالك في أيّ طريق منها واصل.
أما الذى يسير في هذا الطريق حينا، ثم يعرج إلى الآخر، ثم يحاول تجربة الثالث، ثم يسعى إلى سلوك الرابع، ينتهي به الأمر إلى التيه في الشعاب، وتلتوي عليه المسالك والطرق، فلا يصل أبدًا.
وكذلك اللامذهبية مهما تزيّنها الوساوس وتزيّف بريقها الكاذب، فإنها تؤدّي إلى التهاون، فالاستخفاف، فالجحود، وذلك لأن الأئمة المتبوعين رضوان الله علهيم التزم كلّ منهم من قواعد الكتاب والسنّة ما فتح الله به عليه، ولهم شروطهم في النسخ، ودرجات الحديث، ومفهوم الحروف والإجماع والتمييز بين الصحابة، وعمل أهل المدينة، والقياس، والاستحسان، وغير ذلك مما يعرفه أهله.
فإذا اتّبع الإنسان مذهبا، فمعنى ذلك أنه رجح أدلّته، فإذا عاد إلى آخر، فمعناه أنه ارتاح إلى براهينه، فإذا انتقل إلى ثالث بدأ الخلط والوسواس يعتريه. أما إذا أراد أن يأخذ من كلّ مذهب ما يوافق هواه، فقد أصبح ممن يحتكمون إلى الهوى، وهوى النفس أعظم أسباب تردّيها وإتعاسها والتشريع لا يكون عن هوى، ومن المستحيل أن تكون في خلق السلف الصالح الذين شرعوا،. وأنا لا أريد التعرّض لعلماء هذا الزمن، ولا أنكر أن منهم الصالح التقي، والعامل النقي، ولكن لا يمكنني ولا يمكن سواي أن يتغافل عن انكباب معظمهم على الدنيا، وحرصهم على زحرفها، وتعلّقهم بأسبابها، فإذا وجد بيننا اليوم من يُضرب ليلي القضاء،