فيعتذر عزوفًا عن مناصب الدنيا،. أو من يمشي في "المدينة المنوّرة" حافيًا، حتى لا يطأ بنعليه موضعًا وطئه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أو من يجلد، لأنه امتنع عن مجاراة الخليفة على ما لا يعتقده في القرآن الكريم، إذا وجد أمثال هؤلاء قبلنا منهم أن يضعوا لنا تشريعًا موحّدًا، ومذهبًا مفردًا، أما والحال كما نرى في كلّ بلاد الإسلام فلنعضّ بالنواجذ على مذاهب السلف الصالح، ولا نحاول خلطها ولا مزجها، فكلّ مذهب منها فيه الغناء والكفاء لجميع التشريعات العصرية من غريبة أو شرقية، ويزيد عليها بسموّ أصله، وطهارة منبعه، واستمداده من الله ورسوله، وليتمسّكْ كلّ منا بمذهبه، كما وصل إليه من سلفه الصالح، ولنعلم أن في اختلافهم من التيسير، والألطاف الخفية ما يجعل الجملة الخالدة (اختلافهم رحمة) من روائع الحكم.
ومن مأثور قول الأستاذ أيضًا:(نفي الوجود بعدم الوجدان ليس بجيد)، وهذه حكمة نفيسة، لأن المرء قد يتعجّل، فيقطع بنفي ما لا يجده، وقد يتابعه سواه، فيشتهر الخطأ، ويكون عليه وزره، أما إذا قطع بما يعلم، وتوقّف فيما يجهل، فإن ذلك يكون أولى بالباحث، وأعود بالنفع عليه وعلى غيره.
ومن مأثور قوله أيضًا:(والفقه صلح لكلّ زمان ومكان في أيام مجد الإسلام، فلا يعقل ألا يصلح لهذا الزمان الذى ظهر فيه للعيان مبلغ الخلل في أنظمة الغرب، حتى أصبحت المجتمعات عرضة للانحلال من فساد تلك الأنظمة)، وذلك في مقدمة مؤلّفه "الإشفاق"، ثم قوله في الصفحة التالية عن مسايرة العابثين بالطلاق بتعبيد طرق لهم: (بل هذه المسايرة تزيد في فتك المرض بهم، وتوجب اتّساع الخرق على الراقع، وتزيل حكمة استباحة الأبضاع بكلمة الله سبحانه من حصول البركة في الحرث والنسل بإقامة كلمة بعض المتفيهقين "المتمجهدين" الذين ليس لأهوائهم قرار مقام كلمة