في سنين عديدة في "الهند"، ووصل في الشرح إلى أبواب الصلاة، وظلّ مشتغلًا به بعد عودته إلى "الهند"، تتخلّله فترات طويلة، حتى أكمله في ستة أجزاء كبار.
وعاد إلى "الهند" مكرمًا محببًا مثقلًا بالأعباء، قد شخصت إليه الأبصار، وارتفعت إليه الأصابع، واتّجهت إليه القلوب، فأقبل على التدريس. بجميع همته، وتوفي شيخه في "الحجاز"، فآلت إليه المشيخة، ورياسة تدريس الحديث والإشراف على تربية أصحابه والاتصال بمراكز العلم المنتشرة حوله، وبالجماعات الدينية التي تلوذ به، وتلتقي عليه وتصدر عن رأيه، وبيته ملتقى العلماء والطلبة، ولا تشغله المطالعة، وما فطر عليه من حبّ العلم والانزواء والخلوة، من البشاشة، وبذل الودّ، وطيب النفس، ولا يشغله كلّ ذلك عن الاشتغال بربه، والانفراد بعبادته ومناجاته، وعن تربية المريدين، وعن حضور حفلات التبليغ، وعن وضع كتب ورسائل في الإصلاح والدعوة إلى الله في أسلوب سهل، يتنزل فيه إلى مستوى العامة، وقد تلقّيت هذه الرسائل بقبول عام، وانتفع بها خلق لا يحصون، وظهرت لها طبعات لم تتيسّر إلا لكتب دينية معدودة في عصرنا.
وأوقاته مشغولة بأمور نافعة موزّعة بينها، يحافظ عليها بكلّ دقّة وشدّة، فإذا صلى الفجر جلس قليلًا مشغولًا بحزبه وورده، ثم يخرج إلى بيته، ويجلس مع الناس، ثم يطلع إلى غرفة مطالعته، فيشتغل بالمطالعة والتأليف، ولا يزوره في هذا الوقت إلا من يطلبه، أو من يكون مستعجلًا من الضيوف، وغرفته هذه تذكر بالسلف المنقطعين إلى العلم والتأليف، فهي آية في البساطة والتقشّف، ومجرّدة من كلّ زينة وتكلّيف. فإذا كان وقت الغداء نزل، وجلس مع الضيوف الذين يكثر عددهم عادة، وهم من طبقات شتى، فيؤنسهم، ويلاطفهم، ويبالغ في إكرامهم والتفقّد لما يسرّهم، ويلذّ لهم، فإذا صلى الظهر اشتغل بإملاء الرسائل، والردّ عليها قليلًا،