للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت تتراوح بين ٤٠ و ٥٠ رسالة يوميًا، ثم يخرج إلى الدرس، وكان يشتغل به ساعتين كاملتين قبل العصر، فإذا صلى العصر جلس للناس، وإذا صلى المغرب اشتغل طويلًا بالتطوّع والأوراد، ولا يتناول طعام العشاء عادة إلا إكرامًا لضيف كبير.

وقد أراد الله بمشيئته أن يحيى من طفولته إلى كهولته في غاشية من رحمة إلهية، كسته أنفاسًا قدسية من هؤلاء أرباب القلوب، فوهبه الله نفسًا مطمئنة، وروحًا طاهرة، نقية خفيفة، وذوقًا ووجدانًا، وتوفيقًا عظيمًا إلى كلّ خير من عبادة وتقوى، وتدريس وتأليف، وشمائل كريمة: من طلاقة وجه، وحسن لقاء، وكرم نفس، وجود وإكرام ضيف، ورقة في الطبيعة، وبشر دائم متهلّل. ومن أعظم مفاخره المغتبطة أن حياته كلّها بعدما أدرك شعوره لم تنقص منها ساعة ضائعة، فحياته مليئة بالاستفادة والإفادة، والعبادة والذكر، والتدريس والتأليف، وإصلاح النفوس، وهداية وإرشاد.

ومن أغبط مفاخره أنه عالم وجيد في أهل عصره، لم يكتسب بعلمه وتدريسه الحديث راتبًا، وإنما درس متبرّعًا وتطوّعًا محتسبًا دله، غير راتب زهيد في أول عهده بالتدريس، وعاش عيشة زهيدة من مكتبته التجّارية المتواضعة. ومن أبرع مزاياه: أنه حاول، واجتهد أن تزول تلك المنافرة بين أرباب المراكز العلمية، فحاول بقلمه ولسانه وصحبته أن تعفو تلك المنافرة العصرية، التي كانت في طبقات أهل العلم بين "سهارنفور" و"ديوبند"، و"تهانه بون"، وأهل الندوة، فتقاربت بجهده البليغ هذه المراكز المتنافرة، فقضى بتلك الفروق على العواطف المختلفة. فحاز قصب السبق في جميع معاصريه بهذه المزايا الباهرة.

كان مربوع القامة، أبيض اللون، مشرب بحمرة، خفيف الروح، كثير الدعابة، سريع الدمعة، كثّ اللحية، يلبس طاقية ونظارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>