للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن جُملَة مُحِبِّيه ومادحيه، جامعُ هذه "الطبقات"، ومن ذلك بعض أبيات قلتُها في أثناء رسالة أرسلتُها إلى حضرته الشريفة، من ثَغْر "إسْكَنْدَرِيّة"، وأنا مُتَوَجِّهٌ إلى "مصر" المحميَّة، بعد أن سمعتُ الناس يقولون: إن بعض أرباب الدَّولة شَفَعوا عنده في إعادة قضاء "الفَيُّوم" لقاضيها السّابق، وأنه امْتنع من ذلك أشدّ الامْتناع، فقلتُ:

إلهي إنّ صُنْعَك فد تلافَى … أمُورِي كلَّها قبلَ التلاف

وقدَّمنِي وأخَّرَ كل ضِدٍّ … أراه الدهْرَ يسْعَى في خِلافِي

إلهِي كُنْ لصُنْع الله عوْنا … وعاملْه بفَضل منك وافِي

وقدِّمه على رَغْم الأعادي … وأخِّرهم كتأخير الخَوافِي

ولا تجعلْ لدوْلته انْقطاعا … إلى يوم القيامة والتَّكافِي

وقد استجاب الله تعالى دُعانا، وله الحمد والمِنَّة.

وإنا لَنَرْجو فوقَ ذلك مَظْهَرَا (١)

ثم بعد مُدّة طويلة سافرت إلى "الديار الرومية"، ورأيته على جانب عظيم من الهَيبَة والوقار، والرِّفعة والتواضع، ونَفاد الكلمة، أكثر من ذلك حين كان في قضاء العَسْكَر، وهذه عادة الله تعالى في عباده، أنّ مَن أطاعَه يُطيع له العباد، ومَن عصاه يَعْصِيه كلُّ أحد حتى الأهْل والأولاد.

ورأيتُ بمدينة "إستانْبول" من التَّغَيُّرات والتَّبَدُّلات، وأكْل الرِّشا، وإعطاء المناصب لغير أهْلها، ووَضع الأمور في غير مَحَلِّها، وقِلَّة الأمر بالمعروف والنَّهْيِ عن المنكر، وغير ذلك مما تَبْكِي له العيون، وتَحْتَرق لأجله القلوب، وتحيَّرُ في تدْبير رَفْعِه العُقول، وإذا انْتَدَب لإزالته أحد من الناس الذين يخافون الله تعالى، لا يجد له مُساعدا، ولا مُعينا، ولا مُعاضِدا، بل ينْتَدِبُ له كثير من أرْباب الدولة الذين لا يريدون الإصلاح، ولا يُريدون


(١) هذا عجز بيت للنابغة الجعدي، وصدره:
بلغنا السماء مجدنا وجدوناه. ديوانه ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>