فستعود مقلبا نظرك يمينا وشمالا، واستخدم بالمناسبة الحكمة الأردية، التي معناها الحرفي ستعود ناظرا في إبطيك، فكشف الضابط عن أحد إبطيه، ونظر فيه، ثم كشف عن الثاني، ونظر فيه، وقال: لعلّك تريد أني سأفعل هكذا. ولم يستطع الجندي أن يتمالك نفسه تجاه الضحك، الذي سيطر عليه.
وجميع خطابات الشيخ زاخرة بأمثال هذه الأمثال والقصص، التي كانت تزداد طرافة على طرافة لحديثه الشيق المعسول المعجون بلذّة الشوكولاتة، الأمر الذي كان يجعل الحضور لا يكادون يتمالكون أنفسهم من الضحك العفوي، الذي كان يغلب عليهم لدى استماعهم لها، كما كان المتذوّقون للغة والثقافة يهتزون فرحا.
من مزايا خطاباته:
وكان من مزايا خطاباته أنه كان يشبع الحديث في كلّ موضوع يتحدّث عنه، ويوفيه حقّه من الشرح، ومن الدلائل ومن النقاش، ومن تفنيد كلّ شبهة، ومن التطرّق إلى جميع أبعاده، ومن توفير كلّ معلومة ممكنة، يحتاج إليها المستمع فيما يتعلق به، بالإضافة إلى إمداده بتجاربه الواسعة واطلاعاته الدقيقة على الحياة والناس وعلى المجتمعات البشرية.
وكان يقدر على أن يتحدّث في كلّ موضوع دقيق وجليل، وعن مقدرة بيانية عجيبة، وبمعلومات وعناصر مطلوبة، مهما كانت المناسبة، وأيا كان الوقت، وكيفما كان الموقف. مهما طلب إليه الحديث بدأ يتكلّم كأنه مسجّل ضغط على مفتاحه.
وربما تكلّم في موضوع تافه، فجعله شيئًا ذا بال بسحر حديثه، وعذوبة منطقه، وخفّة روحه، وحسن نكته، ولباقة عرضه، وقوّة عارضته، وغرائب معلوماته، واتّساق أطروحاته، وتدفّق رؤاه.