وكان من خصائص خطاباته: أن المستمعين كلّهم كانوا يعودون يشاطرونه الآراء، التي كان يعرضها عليهم، كأنها هي آراؤهم، بل أحاديث قلوبهم، ونجاوى نفوسهم، فيتجاوبون معها تجاوب عبد مطيع مع سيّده، وينفذونها في حياتهم تنفيذ المحبّ لأوامر حبيبه، قلمّا رأى الهنود خطيبا إسلاميا مثله يجعل مستمعيه، يقتنعون بحديثه، ويتشبّعون بأفكاره، ويتلذّذون بأساليب عرضه، لهذا الحدّ العجيب.
وقد كان علمه الثرّ، ومحفوظاته الغزيرة، وذكاؤه الملتقط، وتأنّقه في الملابس، وجمال هيئته، وحسن هندامه، وجبّته المعروفة بشرواني، وعكازه الخفيف، وقلنسوته القائمة على رأسه بصورة منفردة، وجلسته الوقورة على كرسي الخطابة، وحلمه الزائد، وتواضعه الجمّ، وزهده التامّ في فضول القول، واقتصار كلامه على ما ينفع عباد الله، وتقيّده بالجدّيّة البالغة في الجلوس والقيام والمشي والكلام والحركات والسكنات، ووجهه الصبيح الوضّاء، وجسمه المعتدل بين السمن والنحل، وقامته المعتدلة، والصلاح الذي كان يعلو نوره وجهه، ويشمل كيانه، وحسبه المتوارث، الذي يضفي عليه براءة الملائكة، ويجعل الناس يجدون أنفسهم مضطرّين لحبّه. . كلّ ذلك بالمجموع كان ينحت منه شخصية علمية دينية قيادية خطابية فذّة كان عنوانها الشيخ محمد طيّب رئيس جامعة دار العلوم ديوبند، الذي كان يحمل تأثير السحر ومفعول كبسولة الإنعاش والسرور. . . شخصية وجدت فيه، وانتهت به، ولا يوجد مثيلها اليوم، كما كان لا يوجد حين كانت حيّة تؤدّي دورها في الحياة.
وفي الأغلب جرت العادة:
أن ذوي الكمال لا يعترفون لأمثالهم بالفضل، ولكن نوابغ الخطباء وعباقرة اللسن المعاصرين قد اعترفوا بفضل الشيخ محمد طيّب رحمه الله في مجال الخطابة، وعلى رأسهم الخطيب الإسلامي البليغ الشيخ عطاء الله شاه